صباح كل يوم تقترض الحكومة المصرية من البنوك المحلية مائتي مليون جنيه لسداد التزاماتها العاجلة..كما أنها في نفس الوقت ملتزمة بدفع مائة وخمسين مليون جنيه يوميا..لسداد فوائد هذا الدين الداخلي..والذي بلغ 650مليار جنيه..أي أن الحكومة تقترض لسداد (فوائد) الدين وليس (أصل) الدين..ناهيك عن ارتفاع حجم الدين الخارجي الي 35مليار دولار..لذا يبدو طبيعيا أن تلتهم أقساط وفوائد الديون حوالي ثلث الموازنة العامة للدولة..الي أين نسير اذن؟. الأرقام السابقة تعني أنه لا أمل في تنمية..أو زيادة في الأجور..ومع تزايد عجز الموازنة..تلجأ الحكومة الي بديلين:الأول وهو مزيد من الاقتراض..ومن ثم ترحيل الأزمة أطول فترة ممكنة..أو الي حكومة أخري قادمة..وتحمل الأجيال القادمة عبء هذه الديون وفوائدها. البديل الثاني:فرض مزيد من الضرائب..وتخفيض الدعم عن بعض السلع والخدمات..واذا كان الحل الأول في متناول رئيس الحكومة..فان البديل الثاني يخضع لتقدير رئيس الجمهورية..لأن رفع الدعم ولو جزئيا عن سلعة ما..هو قرار سياسي في المقام الأول. وكما تري فان الاقتراض أو رفع الدعم..يبدو من قبيل الحلول السهلة..وفي نفس الوقت فان الحكومة تلجأ الي بعض الحيل والألاعيب..عندما ضمت هيئة التأمينات الي وزارة المالية..أي أصبحت جزءا منها..فظهرت الموازنة العامة خالية من مديونية الحكومة لهيئة التأمينات والتي بلغت مائة وخمسين مليار جنيه..ومن الحيل الحكومية الأخري..السعي الدائم الي تخفيض معدل التضخم (علي الورق)..والذي يعني انخفاض الفائدة علي الاقراض..وبما أن الحكومة هي المقترض الأكبر..فانها تصبح بالتالي المستفيد الأكبر..فتخفيض الفائدة بنسبة 1% سنويا يؤدي الي تخفيض فائدة الدين الحكومي 7مليارات جنيه دفعة واحدة. ماتفعله الحكومة هنا هو استمرار لسياسات ستودي بنا الي التهلكة..ومع الاستسهال في الحلول ظهرت أفكار مثل رفع الدعم عن البنزين وأنبوبة الغاز..مما سيؤدي الي ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات..مصحوبة aبانفجارات اجتماعية..ورغم ذلك لم يشرح لنا رئيس الوزراء جملة ماسيتم توفيره جراء رفع الدعم..وكذلك أوجه انفاقه..وهل سيتم –مثلا- زيادة الاستثمارات في مجالي الصحة والتعليم..وهما حجر الأساس لتحقيق أي تنمية..أم ستستمر سياسة السفه في الانفاق. لماذا تلجأ الحكومة دائما الي الحلول السهلة مثل الاقتراض ورفع الدعم..رغم توافر بدائل أخري كثيرة مثل..ملاحقة المتهربين من الضرائب..وتخفيض أو الغاء الاعفاءات الضريبية الهائلة الممنوحة لرجال الأعمال..وتعديل السياسة الضريبية علي أرباح رجال الأعمال بشكل تصاعدي..حتي لو وصلت الي 55% من الأرباح..كما هو حاصل في أكبر الدول الرأسمالية كبريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا..بدلا من تحديد سقف الضريبة علي الأرباح..بعشرين في المائة فقط كما هو الحاصل حاليا..ولماذا لاتسحب الحكومة كذلك الأراضي من المضاربين الذين قاموا بتسقيعها وحققوا مكاسب بالمليارات..ولماذا لاتخفض عدد سفاراتها بالخارج والتي مع كثرتها..شهدت مصر تراجعا في دورها الاقليمي والدولي..ولماذا لاتقوم بتعديل عقود تصدير الغاز للخارج. أعتقد أننا بحاجة الي مسئولين ووزراء أكثر ابداعا..بدلا من كتيبة الموظفين التي تدير الشئون العامة وتحديدا الاقتصادية..فالأفكار كثيرة والبلد مليئة بالكفاءات والعقول الاقتصادية التي تستطيع اخراج مصر من هذا الكابوس الثقيل..كابوس الديون. [email protected]