بعدما كتبت مقالي "تدليس صحفي" تعليقا على "فضيحة" تقرير مندوب المصري اليوم بوزارة الداخلية، والذي نسب فيه ما ورد في محاضر بمباحث أمن الدولة بشأن ما وصفه ب"تنظيم نسائي إخواني" امتدادا ل"تنظيم" الراحلة الكبيرة زينب الغزالي.. إلى النيابة العامة، للإيحاء بأن "التنظيم" المزعوم كان اكتشاف النيابة وليست الشرطة، بما يعطي فحواه بعضا من التوقير والمصداقية.. عاد ذات المحرر لممارسة هوايته في التدليس والكذب مجددا، وباصرار لا يمكن السكوت عليه ومستخدما لغة جديدة "مناورة" اعتقد أنها قد تستر صنيعه المخزي. ففي عدد أمس من الصحيفة ورد "مانشيتا" ثانيا بعنوان: "تحقيقات النيابة فى «تفجيرات أبوحصيرة»: 3 متهمين فى القضية ينتمون ل«الإخوان» ! وفي التفاصيل نكتشف أن الموضوع ليس تحقيقات نيابة أمن الدولة وإنما "مذكرة الاتهام" التي كتبها ضابط مباحث أمن الدولة! لا نريد هنا أن نتحدث عن هذا المنحى مجددا باعتباره جريمة مهنية ينبغي معاقبته عليها من قبل نقابة الصحفيين.. وإنما لخطورة الاتهام ذاته و"تزويقه" باعتباره خلاصة نتائج سلطات التحقيقات القضائية وليس محضرا كتبه ضابط ضد متهمين كانوا تحت سياط الجلادين في مقار التعذيب المعروفة بعيدا عن أية رقابة اعلامية أو قضائية أو من سلطات أمنية أعلى.. هذا من جهة .. ومن جهة أخرى فإن هذه "الخفة" الصحفية قد تورط الدولة في مشكلة أكبر تعيد انتاج البيئة السياسية والأمنية القابلة للاشتباك المسلح مجددا مع جماعات مسلحة افترض تقرير المصري اليوم وجودها معتمدا على مذكرة مجهولة أطلق عليها "مذكرة اتهام"! إن الادعاء بوجود أعضاء من الإخوان المسلمين في تنظيم جهادي مسلح، هو منحى غير مسئول يستفز الجماعة من جهة والقيادة السياسية الرسمية من جهة أخرى، ويتحرك في اتجاه التحريض والشحن وتسخين الأجواء وتوتير خطوط التماس فيما بينهما قد يؤدي بالتراكم إلى "النقطة الحرجة" التي عندها قد يحدث ما لا يحمد عقباه. ويبدو لي أن صحيفة "ساويرس" لم يُرض شبقها حدود الصدام الحالي بين السلطة والجماعة، والذي لا يزال محسوبا وبدقة من الطرفين، خوفا من الانزلاق في مواجهات قد تكون مكلفة لهما وللبلد كلها. قد يكون ما زعمه محرر الجريدة في الداخلية، قد ورد فعلا في تقرير المباحث، وهي صيغ محفوظة ومشاجب جاهزة لتعليق الحملات الأمنية عليها، فيما يظل القضاء المصري الطبيعي هو الحكم في هذه المسألة.. غير أن مقتضيات "الوطنية" من المفترض أن تجعل المحرر يترفع عن "مجاملة" الجهة الأمنية التي كتبت التقرير، وأن يعرف الحدود الفاصلة بين "الصحفي" و"ضابط الشرطة".. وأنه إذا كان الثاني يمثل "سلطة اتهام" فإن الأول يتبوأ موقع "سلطة الدفاع" عن المظلومين والتصدي للتعسف والظلم والفساد.. وأن يكون محصنا من شراء ذمته حتى لو بلغت مبلغ وظيفة "مرموقة" في التليفزيون مثلا تدر عليه ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر.. ففي البلد أكثر من 80 مليون مواطن أمنهم ودماؤهم أغلى من ذهب المعز وتستحق ان نتصدى من أجلهم لجبروته ولسيفه أيضا. [email protected]