كان أكثر من شخص ينتظر عرض فيلم " معالى الوزير" ، بعد أن لعبت النميمة دورها حول الشخص الفاسد الذي يحكى عنه وحيد حامد ، عرض الفيلم ، ومر مرور الكرام بما لأن صانعوه كتبوا ، أنه لا علاقة له بالواقع ، و أي تشابه مسئولية الوزير نفسه ، الكل لم يهتم ، وباركوا لأحمد زكى الذى لم يحضر حتى عرض الأول في سينما التحرير ، وأرسل آخرون باقات ورد ، ضاقت بها طرقات فندق المريديان القديم أو جراند حياة حاليا .. المكان الدائم للكاتب الرائع وحيد حامد ، مسئول واحد فقط لم يمر عليه الفيلم مرور الكرام ، هو ليس وزيرا ، هو مسئول مهم ، شاهد الفيلم وتوقف - أظنه فعل ذلك - أمام أحد مشاهده ، هو مشهد صغير في المساحة ، لكنه - بالتأكيد - أعاده بالذاكرة للوراء ، كان يوما طويلا جرى قبل عامين ، تعرض فيه لأسوأ ما يمكن لرجل ان يتعرض له .. أدرك انه هو المقصود ، ثلاثة فقط يعرفون ما جرى ، المسئول نفسه وفتاتين فى عمر الزهور ، وقتها كان في الساحل الشمالى في فيلا أحد الكبار ، تصرف الرجل - بعد أن تركه صاحب الفيلا ياخد راحته وانصرف - بحرية رجل اقترب من السبعين مع فتاتين من جنوب شرق اسيا لم تتجاوزا الثامنة عشر ، مراهقتان لا تعرفان من هو ، ولا ماذا يشغل من منصب ، أغلب الظن أنهما اعتقدا انه صديق مهم لمن استأجرهما . في الفيلم يشعر الوزير – احمد زكى – بالحرج بعد نزع المايوه منه ، هو نفس ما حدث مع المسئول ، القصة لم يعرفها احد ، لكن المشهد امامه علي الشاشة ، بكل تفاصيله ، الرجل تأكد بنفسه من خلو المكان ، وحرسه الشخصى وقف على الباب ولم يدخل أحد ، بحث فى الامر وتأكد انه تم تصويره ، تأكد بعد أن حصل – بوسائله الخاصة على نسخة منه - وقرر المسئول أن ينتقم ، وفعلها ، تحمل عدة أشهر ثم ضرب ضربته التى أطاحت بالرجل ، وحطمت أسرته ولوثت سمعته . هكذا يدار جزء مهم من البلد ، مسئول تخيل أن صديقه يجامله ، فإذا به يصوره عاريا ، فانتقم منه بوسائل معروفة وملفات جاهزة ولها وقتها . إنها عقلية المماليك التى لا تفكر أبعد من ملزاتها وتترك البلد إذا جاء طوفان الغزو ، تلك العقلية التى دفعت وزيرا قويا فى فترة ما ، للإنتقام من أحد كبار رجال الأعمال ، بعد أن علم بعلاقته مع امرأة يرغبها ، وانتهي الخلاف برجل الاعمال فى مزرعة طرة . وهناك إبن المسئول الذى تورط فى جريمة قتل ، لخلاف حول زوجة رجل اعمال قبطى – الفكرة التى استوحى منها بلال فضل فيلم واحد من الناس – وانتهت بادانة شخص يقال - و هناك شهود اختفوا من على الساحة - انه ليس القاتل عشرات النماذج ومئات القصص التى تؤكد أن خلل ما يحدث ، نعم هناك عقلاء لا ننكر وجودهم ، يحاولون ضبط الامور- احيانا - لكن في أوقات كثيرة لا نسمع لهم صوت ولا نجد لكلامهم تأثير ، بل انهم يتعرضون لمشاكل وحروب صغيرة تلهيهم عن القيام بدروهم ، تلك الحروب التي اختصرها الشارع في كلمة " الاسفين " او- لمؤاخذه - " الخازوق " وبالمناسبة فكرة الخازوق ليست وليدة اليوم ، عرفها المصريون وتأصلت فيهم منذ قرون مضت ، تحديدا منذ حكم المماليك ، وهنا أعود الى الدراسة الاجتماعية الهامة التى نبهني اليها الكاتب والمبدع المتألق د ياسر ثابت ، وهى لاستاذ جامعى خشى على نفسه ، ولم يذكر اسمه وكتب عليها " ع . ع " ربما بسبب الربط الواضح بين ما كان يحدث ايام المماليك وما يحدث الان ، والسلوكيات التى انتقلت منهم وتوارثها المصريون شعبا وحكومة ، جاءت الدراسة المهمة تحت عنوان " تراث المماليك فى حكم مصر المعاصرة " فالخوازيق حسب ما يؤكد المؤلف ظهرت نتيجة لحكم الرقيق ، و نحن إذن – ومعنا بعض البلاد الاسلامية - متفردون في هذا النظام (الرقيق حاكم الأحرار) أو (الرقيق مسترق الأحرار)..ويتساءل المؤلف : هل يقبل رقيق أن يكون محكومه حراً؟ في هذه الحالة كان من الطبيعي أن يتفنن العبد عندما يصبح حاكماً في الإيقاع بين العبيد (المماليك) التابعين له ، ونتج عن ذلك تبلور مفاهيم "المهموز" و"الدبوس" و"الزُنب" (جمع زُنبة) وهي مفاهيم مملوكية أصيلة مازالت تستخدم بنفس ألفاظها ً ، وإن كانت قد ظهرت ألفاظ أخرى مثل"التدبيس" بمعنى تلفيق التهمة..أو اتهام شخصٍ بريء ، والكلمة تستخدم غالباً في مجال إظهار البراعة.. براعة الكاذب في إسناد التهمة لبريء الغريب ان الالفاظ الخارجة التى يستخدمها العامة أصلها مملوكى – بداية من الاشارات بالأيدي والاصابع والاصوات وحتى اخر ما في العلاقة ولاداع لذكرها - وهو ما يعيدنا الي موضوعنا ، فالكتاب يتحدث ايضا عن الانتقام الجنسي ، والانتقام بسبب الجنس ، فالمملوك الحاكم كان يعتبر كل من حوله ، جواري له ، وباعتباره مملوكا لا يعرف له أصل ولا فصل ، كان يستبيح الاعراض ، - لاحظ أننا نتحدث عن المماليك - محتميا بسلطته ونفوذه ، بل ان فكرة الانتقام من الخصوم كانت ترتكز أساسا على " كسر عينه " ، سواء مع زوجته أو معه شخصيا وهو نفس ما يحدث حاليا ، سواء بانتقام الطبقة العليا من بعضها البعض من خلال الزوجات – انظروا ما فعله رجل الاعمال الشهير الذي صور علاقاته الحميمية مع فنانات وسيدات مجتمع بعضهن زوجات لاصدقاء جمعته معهم قروض لم تسدد ، أو حتى رجل الأعمال الذى صور المسئول وهو يخلع الشورت فى حمام السباحة ، أو من خلال انتقام تلك الطبقة وممثليها من الشعب في السجون أو المعتقلات وأقسام الشرطة باغتصابهم بل وتصويرهم امعانا في الاذلال العجيب أنك تجد من يقول " محمد علي باشا قضى على المماليك في مذبحة القلعة" .. أمال دول مين [email protected]