آخر التقليعات التى تفتق عنها ذهن المعارضة فى مصر تلكم الحركة التى أطلقت على نفسها اسم: "تمرد"، وهى فى الحقيقة لا تعدو أن تكون حلقة جديدة فى سيناريوهات الفوضى المعدّة – سلفًا - من المعارضة، فكلما فشلت فى حلقة من حلقات إحداث الفوضى والشغب فى البلاد خرجت علينا بحلقة جديدة من حلقات التهييج والإثارة والبلبلة، وهم يهدفون من وراء هذه السيناريوهات المتوالية إلى هدم الروح المعنوية لدى جموع الشعب، وبث اليأس من المستقبل فى نفوس الناس، وتجريد النظام الحاكم من أية إنجازات، ووصمه بأبشع الاتهامات، وإشاعة الكراهية ضده بصفة خاصة، وضد الإخوان المسلمين بصفة عامة. والغريب أن كل مجموعة من هؤلاء المنتسبين للمعارضة يبيحون لأنفسهم التحدث باسم الشعب المصري، وكأن الشعب بكافة طبقاته وأطيافه قد فوضهم للتعبير عنه والتحدث باسمه، والغالبية العظمى من هذا الشعب لا يعرف عنهم شيئًا، كما أن (شماعة الشعب) التى يعلِّق عليها المتمردون تمردهم والمعارضون معارضتهم أصبحت لا تنطلى على الشرفاء من أبناء هذا الوطن. والسؤال الآن: على أى شيء يتمرَّد هؤلاء؟ إنهم يتمردون على الديمقراطية التى لم يألفوها ولم يعرفوها، فقد تعودوا على حياة الفوضى والعبث وأساليب لى الذراع والضغط السياسى وإشعال الفتن دون أن يفهموا ماذا يفعلون؟ فهم – فى الحقيقة – مجرد حصاة تُلقى بين تروس الدولة لتوقف حركتها وتعطل مصالحها - العامة والخاصة - وتعرقل مسارها. إن هؤلاء المتمردين يزعمون أنهم جمعوا ملايين التوقيعات لسحب الثقة من الرئيس المنتخب الذى لم يُكمل عامًا واحدًا فى الحكم، ويريدون إجباره على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ونحن من خلال هذه السطور نقول لهم: من الطبيعى أن تتمكنوا من تجميع ملايين التوقيعات، فهذا ليس غريبًا أو عجيبًا، ولا يُعد إنجازًا سياسيًّا كما تتصورون، فهذه الملايين هم بقايا الحزب الوطنى المنحل، والأحزاب الليبرالية واليسارية الكارهة لحكم الإسلاميين بصفة عامة، ومَن انتخبوا أحمد شفيق وأيدوه ولم يرضوا عن الدكتور محمد مرسي، فكل ما تفعلونه – أيها المتمردون - هو أنكم تعيدون فرز صناديق الانتخابات الرئاسية مرة أخرى، ومن الطبيعى أن تجدوا عدة ملايين ما زالت على ولائها للنظام البائد وأذنابه، لكن الملايين المؤيدة للرئيس الحالى ستكون أكثر بلا جدال. وهنا نريد أن نوجِّه إلى هؤلاء السادة المتمردين عدة أسئلة بريئة نكشف بها اللثام عن هذه المحاولة العجيبة ومدى جدواها سياسيًّا: السؤال الأول: كيف لنا أن نصدِّق أن هذه التوقيعات التى حصلتم عليها توقيعات صحيحة أو أنها جاءت من أشخاص لهم حق التويت أصلاً؟ والسبب فى هذا الشك هو أن عملية تجميع التوقيعات عملية عشوائية لا رقابة عليها من أية جهة قانونية محترمة لنصدق أنها تمت بصورة صحيحة وبدون إكراه أو خداع أو وعود مزيفة، كما أن تزوير هذه التوقيعات ليس أمرًا صعبًا أيها السادة، إن محاولتكم هذه يلفها الغموض ويحوم حولها الشك وتكتنفها الريبة ويطاردها شبح التزوير والتلفيق، خاصة بعد الأخبار التى انتشرت على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى عن عمليات الخداع التى يقوم بها المتمردون للحصول على توقيعات المواطنين، ولم يخرج تصريح من القائمين على التمرد يكذِّب ذلك حتى كتابة هذه السطور. السؤال الثاني: هل لهذه التوقيعات قيمة قانونية أو سياسية؟ إن المختصين بالقانون أفتوا – قانونيًّا - بأنه ليس لهذه التوقيعات أية قيمة قانونية – ولا حتى سياسية - وأنها لن تؤثر فى المسار الديمقراطى الذى تسير فيه الدولة المصرية، وأن هذه التوقيعات هى مجرد زوبعة ستأخذ وقتها وتنتهى كما انتهت غيرها من المحاولات اليائسة للانقلاب على الديمقراطية. ومن ناحية أخرى ننبه هؤلاء المتمردين ومَن يسير فى ركابهم، أنه إذا كانت المسألة مسألة جمع توقيعات، فإن مؤيدى الرئيس الحالى يستطيعون أن يجمعوا أيضًا ملايين التوقيعات التى ربما فاقت فى عددها توقيعات المتمردين ومن على شاكلتهم أضعافًا مضاعفة، وعندئذ ندخل فى دوامة جمع التوقيعات من الطرفين دون أن نصل إلى نتيجة أو نحقق هدفًا. السؤال الثالث: إذا كان هناك مَن يعرفكم – أيها السادة المتمردون - من أبناء هذا الشعب العظيم، فلماذا لا تستغلون هذه المعرفة فى تكوين أرضية شعبية لكم؟ وتسعون من خلال هذه الشعبية إلى تحويل هذه التوقيعات التى وافقت على التمرد إلى أصوات انتخابية تحصدون بها أغلبية مقاعد البرلمان وتشكِّلون أنتم الحكومة - وفقًا لنص الدستور الجديد - بدلاً من الإخوان أو غيرهم، وعندئذ سيكون من حقكم أن تغيروا كل شيء حتى الدستور نفسه، أو تنافسون بهذه الشعبية على كرسى الرئاسة بعد انتهاء مدة الرئيس الحالى الدكتور محمد مرسي، فهذه هى آليات الديمقراطية لمن يعرفها أو يحترمها أيها السادة المتمردون، ولا نريد أن نسمع هذا السؤال: ومَن يضمن نزاهة الانتخابات؟ فهذا سؤال العاجزين والمفلسين سياسيًّا وشعبيًّا. إن محاولاتكم هذه – أيها السادة المتمردون - لن تنطلى على أبناء الشعب المصرى، الذى أصبح يتمتع بالوعى السياسى الكافى ليعرف مَن يسعى لتحقيق مصالحه، ومَن يسعى لإرجاع الدولة إلى الوراء. إن احترام العملية الديمقراطية والالتزام بها هى المخرج لهذا الشعب من أزماته السياسية التى تختلقها المعارضة بين الحين والآخر لتبرر بها عجزها، لذا فإن على تلكم المعارضة أن تُرشِّد من أفعالها وأن تحترم إرادة هذا الشعب، وأن يكون همها السياسى تكوين إرادة شعبية أخرى تواجه الإرادة التى جاءت بالرئيس المنتخب الحالى أو تتفوق عليها بالطرق الديمقراطية وليس بالتهييج وإثارة الفتن والاضطرابات. وإذا كانت المعارضة – بكل فصائلها - تخاف من الديمقراطية وتخشى نتائج الصناديق؛ لأنها تعلم ضعف موقفها الشعبى فلتتحلى بالشجاعة السياسية ولتعترف بعجزها وأنها فى حاجة إلى سنوات وسنوات لتقنع الناس بها وبرؤاها السياسية، ولترحم الشعب المصرى من شر الانقسامات والمئويات التحريرية التى لن تغير من الواقع السياسى شيئًا على الإطلاق. [email protected]