لا يعجبني اسم حملة تمرد، إنه اسم على غير مسمى، فالمتمرد ليس هو الذي يسعى لالتفاف الناس حوله، ولا هو الذي يثبت ذلك بتوقيعات على وثيقة، والمتمرد ليس هو الذي ينطلق من أغلبية يؤمن بها، ولا يزعم لنفسه سوى التعبير عنها إلى المطالبة بانتخابات مبكرة. المتمرد شخص طليعي. وقد يظن البعض أن صفة طليعي هي صفة إيجابية ، لكن القرن العشرين أثبت أن الطليعيين هم أسوأ الناس، إنهم قلة تدعي امتلاك الحقيقة وتبرر تجاهل الواقع القائم بادعاء القدرة على امتلاك مفاتيح المستقبل. مصيبتنا المزدوجة في مصر وشقيقاتها العربيات المنكوبات بمجانين الأصولية أن الطليعيين الجدد يبررون حماقاتهم بزعمهم تملك مفاتيح الماضي. لكن حركة تمرد لا تفعل ذلك، فهي تتحدث عن حاضر لا ينكر أحد أنه بلغ درجة من السوء لا يمكن السكوت عنه، وتسعى لتغييره بطريقة محترمة تتمثل في جمع التوقيعات، وهو ما يعرف في الدول المتقدمة باسم petitioning وتؤكد نزاهتها بإعلانها أن الرئيس سوف يتعين عليه الخروج من منصبه عندما يصل عدد من يوقعون على استماراتها إلى 15 مليوناً، وهو رقم يتجاوز الأغلبية التي أوصلت الرئيس الحالي لكرسي الرئاسة. ولكل هذه الأسباب كنت أتمنى أن تحمل الحركة اسماً غير تمرد، لكن أجواء الهيصة السياسية والثورجية قد تكون هي التي دفعتهم لأن يحملوا هذا الاسم الذي لا يتناسب مع عقليتهم الدستورية . فجوهر الحركة الدستورية هو احترام رأي الأغلبية، وإذا وصل عدد الموقعين على استمارات الحركة 15 مليونا فهذا يعني وجود أغلبية رافضة لوجود الرئيس ويتعين احترامها. لكن هذا لن يخلق حقيقة قانونية يُعتد بها (على الأقل لأن التوقيعات ليست موثقة) بقدر ما سيبرز واقعاً سياسياً يضع الرئيس في حرج قد يدفعه للدعوة لانتخابات رئاسية، وقد يرغب هو في ذلك لأنه يستحي، ولكن قد يدعوه من لا يستحي إلى تجاهل واقع سياسي لو واجه رجلا مثل شارل ديجول لاستقال من فوره. لا أعرف إن كانت حركة تمرد سوف تنجح في جمع كل هذا العدد من التوقيعات الرافضة لبقاء الرئيس المنتخب في موقعه أم لا . لكني أظن- والله أعلم – أن الحركة المضادة «تجرد» قد تساعد على الكشف عن ضعف موقع الرئاسة وتشجع الملايين على مزيد من الإقبال على التوقيع على استمارات تمرد .وعندها قد يضطر من لا يستحي إلى ان يفعل بالاستمارات اكثر مما فعله سابقا بصناديق الانتخابات. وأيا كان العدد النهائي للتوقيعات التي ستحصل عليها حركة تمرد (أو حركة تجرد التي تخوض معها حرب السجع) فمن المرجح أن من لا يستحي سوف يدعو الرئيس لتجاهل الواقع السياسي الذي تجسده هذه التوقيعات . فماذا سنفعل بتوقيعات الملايين المطالبين بانتخابات رئاسية مبكرة ؟ سواء وصلت هذه التوقيعات إلى رقم 15 مليوناً أم توقفت عند بضعة ملايين فهي مكسب كبير للديمقراطية. مجرد وصولها لمليوني توقيع في وقت قصير هو أمر مهم . لكن هذا لا يقلل من أهمية السؤال :ماذا سنفعل بها؟ العقيد الغاضب عمر عفيفي يتساءل: «لمن سيتم توجيه تلك التوقيعات لخلع مرسي وجماعته؟ هل سيتم توجيهها للنائب العام الإخواني لتنفيذها؟ هل سيتم توجيهها لمحمد ابراهيم وزير الداخليه الاخواني لتنفيذها؟ هل سيتم توجيه التوكيلات والتوقيعات لسيادة الفريق أول عبد الفتاح سعيد حسين خليل وزير الدفاع لتنفيذها بعد ما قال لكم مليش دعوه وانسوني؟ هل سيتم توجيهها لباراك حسين أوباما لتنفيذها؟ هل سيتم توجيهها للناتو لتنفيذها؟» والسخرية واضحة في صيغ التساؤلات التي طرحها لأنه لا يؤمن إلا بالقوة، كما يتضح من كلامه. لكن دعوة القوة لا تصلح هذه الأيام إلا للعصابات الأصولية والفوضوية. دعوة القوة هي التي أتت بأسرة الأسد، وبصدام حسين للعراق وبالخوميني لإيران وبالإخوان المسلمين لمصر، وهذا طريق الندامة. التوقيعات التي تطالب بانتخابات مبكرة سوف تصبح رصيدا كبيرا للديمقراطيين عندما يضيع أثرها بين من يستحي ومن لا يستحي. عندما تتجاهلها الرئاسة بضغط من مكتب الإرشاد فيعلم المصريون طبيعة الجالسين على مقاعد الحكم وأنهم في ناحية واغلبية المصريين في ناحية أخرى، وعندئذ يصوت الناس لصالح القوى الديمقراطية في الانتخابات البرلمانية المقبلة. لا يقدر العقيد عمر عفيفي وغيره ممن يعبدون القوة قيمة توكيلات البرادعي وتوكيلات الفريق الأول عبد الفتاح السيسي، لكن كل هذه التوكيلات سوف تتوجها توقيعات المطالبين بانتخابات رئاسية مبكرة ليصنع هذا كله رأياً عاماً قوياً مسانداً للتوجه الديمقراطي. لا أقول إن الديمقراطيين قادمون. لكني أرى أن سقوط الإخوان المسلمين خطوة واسعة على طريق الديمقراطية. قد يأتي السلفيون بعد الإخوان . وبعد السلفيين قد يأتي تيار قريب من فكر عبد المنعم أبو الفتوح . لا اتوقع أن تصحو مصر نافضة عن نفسها كوابيس الأصولية قبل ثلاثين أو أربعين سنة. لكن تداول السلطة بين قوى محافظة غير مؤمنة بالهيمنة، قد يكون خطوة مهمة، لتخرج جماعة الإخوان من المشهد أولا. وثانيا، ليبقي التنافس محصورا بين حزب الحرية والعدالة منفرداً (بعد حظر وتجريم نشاط مكتب الإرشاد) وبين السلفيين المتحالفين مع جبهة الإنقاذ ، كمدخل إلى اشتداد ساعد تيار مثل تيار مصر القوية كمنافس محافظ للقوى الليبرالية ، ولكن هذا لن يحدث بين يوم وليلة. هذا يحتاج صبرا ومثابرة ، أما الدعاوى الانقلابية فأمر مرفوض. المرحلة الانقلابية كانت جزءاً من مراهقة هذا البلد، ونحن نوشك أن نتجاوز المراهقة. ولولا أن حركة تمرد أطلقت على نفسها هذا الاسم المراهق لقلت إنها بداية النضج ، لكنها – على أي حال – تقربنا من لحظة النضج، وليست ورقاً مستعملاً يباع لبتوع الترمس والبطاطا. وللعلم يا سيادة العقيد عفيفي أنا أحترم الترمس منذ قرات أن البابا شنودة كان يصوم ليفطر عليه، وأحترم بياعي البطاطا المصريين لأنهم يقدمون لنا أفضل مما يقدمه أمثاله في لندن باسم jacket potatoe. ولابد أنك تعرفها فأنت في أمريكا وهي امتداد للثقافة البريطانية. التوقيعات والتوكيلات ممارسات تدريبية على طريق الديمقراطية الذي أتمنى ان يصل بنا لمرحلة تعيدك إلى بلادك آمنا سالما غانما.