ليس غريبًا أن يسبق أي انتخابات برلمانية الكثير من التصريحات والوعود والتجاذبات هنا وهناك، لكن الأمر يختلف مع الانتخابات البرلمانية العراقية التي باتت وشيكة؛ فلا يخفى أنها أصبحت مثار جدل كبير في العديد من الأوساط السياسية وتشغل الكثير من المحللين ومن يهمهم الأمر العراقي ووحدته واستقلاله، مما يستدعي منا وقفة تحليلية لهذا الأمر. فمع اقتراب الانتخابات البرلمانية في العراق تنشط إيران بكل ما أوتيت من قوة لتفعيل سيطرتها على العراق بشتى الطرق، فتارةً تحتل آبارًا نفطية، ومرة أخرى تحتل أراضٍ عراقية، وغير هذا كثير من أشكال السيطرة في ظل أتباعها من مسئولي العراق الذين يعطونها الفرصة للسيطرة على القرار السياسي في العراق. دوافع خفيَّة إن إيران الآن تسعى إلى زيادة أعداد الإيرانيين المتواجدين في العراق لرفع عدد الأصوات التي ستكون لمن يقدمون فروض الطاعة والولاء لإيران، إما لكونهم إيرانيي الأصل، أو ربما لولائهم التام لإيران على حساب الشأن العراق, لذا عمدت لجان تابعة للمديرية العامة للجنسية في بغداد إلى زيارة المدن الإيرانية لمنح وثائق الجنسية العراقية لمواطنين إيرانيين أو لمن سبق تهجيرُهم بداية الثمانينيات لتبعيتهم الإيرانية وعدم استيفائهم لشروط منح الجنسية العراقية, بغية تسهيل حصولهم على الجنسية العراقية وهم في إيران، وبالتالي يسهل دخولهم للعراق والإقامة فيه وانتخاب مَن يكون ولاؤه لإيران. فقد قام مدير عام السفر والجنسية اللواء ياسين الياسري بزيارة إيران بصحبة مجموعة من ضباط الجنسية والجوازات لتسهيل حصول إيرانيين على الجنسية العراقية وبمساعدةٍ من السفارة العراقية بطهران، وقد اعترفت "الحكومة العراقية" بذلك ولكنها أعطت تلك الزيارة مبرِّرًا آخر للاعتراف بتواجد الوفد المذكور دون التطرق للمراكز الجوالة، مدعيةً أن الوفد قضى أيامًا في طهران ومدن إيرانية للتعرف على مشاكل المهجَّرِين (العراقيين) وإيجاد صِيَغٍ لحلِّها, وجاء في بيان حكومة المالكي أن السفير العراقي في طهران ناقش موضوع (إعادة) مستمسكات قانونية لمن ادعى أنهم عراقيون سُلبت منهم وثائقهم سابقًا. ولعل القصد من وراء ذلك هو زيادة عدد الإيرانيين في العراق لأسباب انتخابية؛ حيث إن الكثير من العراقيين يدرك ما حدث في انتخابات عام 2005 وبطاقات الأحوال المدنيَّة المزوَّرَة التي استُخدِمت على نطاقٍ واسع من قِبل الآلاف من الإيرانيين للإدلاء بأصواتهم في مراكز الاقتراع بشكلٍ عشوائي، ليرتفع عدد مَن يحقُّ لهم الانتخاب إلى أضعاف الرقم الحقيقي. إن الأمر لا يقتصر على منح الإيرانيين الجنسية العراقية فحسب، بل يتعدى ذلك إلى تسهيل دخول الإيرانيين إلى العراق بدون تأشيرة؛ ففي الوقت الذي يكون دخول العربي إلى العراق يحتاج إلى تأشيرة, نجد أن الإيراني اليومَ له الحق بدخول العراق بدون تأشيرة, حيث أصدر رئيس حكومة العراق الفيدرالية قرارًا بإلغاء تأشيرة دخول الإيرانيين إلى محافظة السليمانية, فقد حدث اتفاق بين القيادة الإيرانية وجلال طالباني -رئيس حكومة العراق الفيدرالية- على دخول 500 ألف كردي إيراني وكردي فيلي إلى محافظة السليمانية قبل الانتخابات، وهذه الأعداد ستكون رصيدًا انتخابيًّا جاهزًا لكلٍّ من جلال الدين الصغير وصدر الدين القبانجي ووائل الموسوي، وهم من قيادات المجلس الإسلامي الأعلى، والثلاثة من أعتى عتاة المجرمين الذين ارتكبوا أبشع الجرائم بحق الشعب العراقي، أولئك الذين رفضت الكثير من مدن العراق ومحافظاته -بما فيها محافظات الجنوب حتى محافظتي النجف وكربلاء- أن يترشح هؤلاء الثلاثة للقوائم الانتخابية عنها, لذا قام هؤلاء بالبحث عن محافظات أخرى يترشحون عنها, فوجدوا أن يرشِّحوا أنفسهم عن محافظات كردستان العراق؛ وذلك لكي يقوم الإيرانيون -والذين سيدْخُلون إلى تلك المحافظات قبل الانتخابات- بمساعدتهم وإعطائهم الكثير من الأصوات عن هذه المناطق. انعكاسات أمنيَّة ولعل انعكاسات ذلك لا تقتصر فقط على عملية الانتخابات، بل سيتعدى ذلك إلى الوضع الأمني في العراق، لذا فقد أبدت مصادرُ أمنيَّةٌ عراقية مخاوفَها من إلغاء سِماتِ الدخول للإيرانيين إلى إقليمِ كردستان في شمال العراق، وقالت أن هذه الإجراءات تزعزع أمنَ العراق والدول العربية المجاورة له. وأضافت المصادرُ الأمنية نفسُها أن الاتفاقَ بين حكومةِ إقليم كردستان والحكومة الإيرانية بشأن إلغاء سماتِ دخول الإيرانيين إلى الإقليم ستمكِّن الأجهزة الأمنية والمخابراتية الإيرانية من دخول الإقليم والانتقال منه وبسهولةٍ إلى محافظاتِ العراق الأخرى، ومنها إلى الدول العربية المجاورة للعراق، ولا سيَّما إلى سوريا ولبنان، كما أوضحت المصادرُ أن هذه الإجراءات ستسهِّل عملية الاتصال بين إيران والجماعاتِ المسلَّحَة التي تَدعمها في العراق، فضلًا عن الجماعاتِ الأخرى الموجودة في بعض الدول المجاورة لتنفيذِ عملياتِها وأجندتها في العراق وفي هذه الدول. وأشارت المصادرُ نفسها إلى أن هذهِ الإجراءات ستُبقي البابَ مُشرَعًا أمام عملياتِ تنفيذِ الأجندات السياسية والأمنية في العراق، كما ستوفر لها خطوطًا مباشرةً للتأثيرِ في الانتخابات البرلمانية المقبلة ورسم الخريطة السياسية العراقية. وكان مصدرٌ مسئول في حكومةِ إقليم كردستان العراق أعلن أن تأشيراتِ الدخول بين إيرانوالإقليم قد تم إلغاؤها بدءًا من الأسبوع المقبل، وقال مصدرٌ في وزارةِ داخليةِ حكومةِ إقليم كردستان أن قرارَ إلغاء التأشيرة جاء بعد زيارةِ برهم أحمد صالح، رئيس حكومة الإقليم، إلى إيران ولقائِه بوزير الخارجية الإيراني. المصدر: الإسلام اليوم