حينما هبطت طائرة الرئاسة المصرية على أرض البرازيل كانت بذلك أول زيارة لرئيس مصري يزور هذا البلد الواقع في أمريكا اللاتينية. وإن كانت طائرة الرئاسة المصرية قد هبطت في محطات شتى من بلدان العالم شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، ولكن هذه المرة المحطة هي البرازيل فلها مدلولات كثيرة تستوجب منا أن نتوقف أمامها طويلًا بالفحص والتدقيق والتحليل للوقوف على دلالة اختيار الزمان والمكان والتجربة. فدلالة الأولي "الزمان" تؤكد أن مصر ما بعد الثورة تريد أن تأكد استقلال إرادتها، وأنها غيرت قاموس سياستها الخارجية، فعبد عقود طويلة من تهميش وإهمال لمراكز قوى كبرى ذات تأثير وبُعد استراتيجي سواء كانت سياسية أو اقتصادية واحتفظت أجندتنا الخارجية ببلدان بعينها تستطيع أن تحصيهم أصابع اليد الواحدة من خلال تكرار الزيارات لهم وإغفال الخريطة والمساحة الواسعة من التنوع السياسي والاقتصادي المشمول به دول العالم قاطبة؛ مما جعلنا محصورين في خندق ضيق لا نستطيع المناورة السياسية أو جلب الاستثمارات الاقتصادية ناهيك عن عدم استغلال الموارد المتاحة أو الاستفادة من الخبرات المتنوعة، مما انعكس ذلك في المحصلة النهائية الضئيلة الناتجة عن التقوقع في علاقاتنا الخارجية. أما الدلالة الثانية "المكان"، فالبرازيل إن شئت أطلقت عليها قارة فلا بأس فهي أكبر دول أمريكا اللاتينية مساحة وأكثرها سكانًا وتعد خامس دول العالم من حيث المساحة، إلى جانب تمتعها بموقع فريد فهي تطل على المحيط الأطلنطي، وتتوسطها قارة أمريكا الجنوبية لذلك فهي تعد زعيم السياسية الاقتصادية في أمريكا اللاتينية. والمكان وهبها أيضًا موارد لا حصر لها فهي تشتهر بإنتاج الكثير من المحاصيل الزراعية والمعادن المتنوعة كل ذلك يعطينا مساحة وفرصة كبيرة للتبادل التجاري لمعطيات السكان والموقع وتنوع الموارد. الدلالة الثالثة "التجربة" فمن المفارقات التي تستوجب التوقف أمامها طويلًا بالفصح والتدقيق أنه في عام 2002 رفض صندوق النقد منح البرازيل قروضًا إضافية لارتفاع نسبة الدين إلى مستوى غير مسبوق وإعلان إفلاسها ولكن بعد مرور عشر سنوات تقريبًا أعلنت البرازيل رسميًا أنها أصبحت سادس أكبر اقتصاد على مستوى العالم متقدمة بذلك على بريطانيا. هذا الإنجاز الذي تحقق لم يكن إلا ثمرة نجاح برنامج اقتصادي إصلاحي طموح شهدته البرازيل طوال ثماني سنوات هي فترة حكم الرئيس السابق دي سيلفا الذي ما إن تولى السلطة حتى واجهته عدة مشكلات اقتصادية كمشكلة انخفاض قيمة الريال أمام الدولار الأمريكي، والتضخم وارتفاع مستويات الدين العام، بالإضافة إلى مشكلة النقص الحاد في توصيل الكهرباء لمعظم أنحاء البلاد، ومشكلات اجتماعية كمشكلة التسرب من التعليم وتردي أحوال المدارس بشكل عام إلى جانب مشاكل الجوع والبطالة والفقر الحاد. وحينما تولى دي سيلفا وضع خطة الاقتصادية لتحقيق النمو ومعالجة الفقر والخروج من شبح الإفلاس تمثلت في عدة محاور أهمها. 1- تنفيذ برنامج للتقشف وفقًا لخطة صندوق النقد الدولي بهدف سد عجز الموازنة والقضاء على أزمة الثقة، وقد أدى برنامج التقشف إلى خفض عجز الموازنة وارتفاع التصنيف الائتماني. 2- تغيير سياسات الإقراض حيث خُفضت سعر الفائدة. 3 - التوسع في الزراعة واستخراج النفط والمعادن والصناعة وخاصة الصناعات البسيطة القائمة على حل مشكلة الفقر. 4 - التوجه نحو التكتلات الاقتصادية من خلال منظمة (الميروكسور) وهي بمثابة السوق المشتركة لدول أمريكا الجنوبية. 5 - ترجمة النجاح الاقتصادي إلى مكاسب سياسية. فإذا كانت البرازيل قد مرت تقريبًا بنفس الظروف التي تمر بها مصر ما بعد الثورة إذن برازيل الزمان والمكان والتجربة لا يستطيع من يريد الإصلاح والنجاح إغفالها لما بها و دروس تحتاج إلى وقفات لتعظيم الاستفادة منها وجعلها البوابة الرئيسية للعبور إلى مراكز متقدمة في النمو الاقتصادي كل ذلك يبرهن ويؤكد على حسن التخطيط من قيادة مصر الجديدة ولعنا نرى يومًا ما لدينا مرسي دي سيلفا.