إن أهم ما يؤثر في فهم الداعية، ويجعله قادراً على التعامل مع الواقع وسبر أغواره، وحل مشكلاته هو: أن ينظر الداعية إلى الصورة مكتملة، أو قل: الصورة الكلية للأمر الذي يريد أن يتحدث فيه، والمشكلة التي يريد أن يعالجها. وكما قال علماء الأصول: إن الحكم على الشيء فرع من تصوره، فالتصور حينما يكون كاملاً، يكون الحل ناجعا،ً والكلام مفيداً. فلا يخفى علينا جميعاً ما تعانيه أمتنا من مشاكل عضال، أبرزها في تصوري: المنظومة الفكرية التي يفكر فيها الناس؛ فالناس منذ عقود طويلة يفكرون بطريقة تقوم على الدعة والكسل والخمول والراحة، تقوم على انتهاز الفرص، تقوم على الحصول على المنفعة من أي طريق، حتى لو أدى ذلك إلى ضرر الآخرين وهلكتهم. وإذا فكرنا بصورة كلية مكتملة، عرفنا أن السبب الرئيسي في ذلك هو: ما فعله أعداؤنا من مناهج وضعية، وأساليب تفكير، صيغت بها مناهجنا التعليمية، وحيدت فيها مناهجنا الإلهية، وتعاليمنا الإسلامية. هذه هي الصورة في حقيقتها، فالداعية حينما يحاول أن يغير هذه الأوضاع، فما عليه إلا أن يتحرك تبعاً لهذه الصورة المكتملة، ما عليه إلا أن يفكر ملياً في الأمر، ماذا يقول؟ كيف يقدم موضوعه؟ من أين يبدأ؟ واضعاً في مخيلته أن ما حدث منذ عقود لا يستطيع أن يطويه في خطبة أو درس، وإنما يحتاج إلى صبر ومجاهدة. وما أروع ما فعله رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم! فحينما قوبل في مكة بالإيذاء والسخرية، لم ييأس ولم يتأفف، بل خرج إلى الطائف راجياً تلبية دعوة الحق، والتماس الخير في أهلها، وحينما لقي ما لقي من عنت ومشقة، لم يكن منه عليه الصلاة والسلام إلا أن دعا ربه أن يخرج من أصلابهم من يوحد الله تبارك وتعالى، وبالفعل رأى الداعية الأول أثر دعوته في إسلام أولاد من آذوه، وصدّوا عنه. بل ما أروعه صلى الله عليه وسلم حينما دخل مكة فاتحاً! فحسب أعداؤه أنه سيفتك بهم، ولكن هي روح الداعية الفريد، وكلامه المؤسس لدعوة الحق" اذهبوا فأنتم الطلقاء"، روحاً جديدة يفتح بها مغاليق القلوب، وصرخة حق تنكس بها حب الجاهلية في النفوس. وما أروع ما قاله عمر بن عبد العزيز! حينما حدّثه ولده عبد الملك، هل تترك الناس على ما هم عليه؟ فخاطبه بصورة تنم عن فهم كلي، وبصورة متكاملة "لو حملتهم عليه جملة لتركوه جملة"، بهذا الفهم العميق، والتكوين الدقيق استطاع أمير المؤمنين أن يغير الناس في وقت ليس بالكثير. هكذا أيها الداعية، ينبغي علينا ان نتصور الصورة بشكل كلي، وأن نقرأ واقعنا قراءة صحيحة، وأن نتعامل مع جمهورنا بمهل وتؤدة، فلنرفع يوماً قيمة، ولنبطل يوماً بدعة، نحن على الطائع، ونبش في وجه العاصي. اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. بقلم حسام العيسوي إبراهيم إمام وخطيب ومدرس أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]