حينما اطلعنا على مشروع قانون تنظيم الجامعات الجديد الذى تم نشره فى الصحافة المصرية، والذى تبرأ منه وزير التعليم العالى، قبل أن نتبرأ منه نحن، حيث شعرنا بالإحباط حين لاحظنا أن المشروع قد خلا تماما من مفاهيم إدارة الجودة الشاملة، وخاصة ما يتعلق باستقلال الجامعات وضمان الحريات الأكاديمية والمؤسسات التعليمية وحرية البحث العلمى. والذى يحزننا جميعا أن المجلس الأعلى للجامعات لا يعلم دوره ومهامه الحقيقية ولا يعى المطلوب منه، فهذا المجلس أنشئ ليكون منوطا بوضع إستراتيجية حقيقية قابلة للتطبيق الفعلى للتعليم العالى، وكذلك إعداد الرؤى المستقبلية للتعليم والنهوض بالمستوى التعليمى للطلاب، حتى يستطيعوا مواجهة الحياة العملية. وليس من إختصاصه معادلة شهادات ممنوحة من جامعات أو أكاديميات من الخارج أو الداخل، إلا أننا فوجئنا بأن اختصاص المجلس الأعلى للجامعات قد تبدل، بل وتعدى اختصاصه فيما يتعلق بتقييم المؤهلات العلمية، والتى ينتهى دوره على تقييم المؤهلات فى مجال التعيين فى وظائف أعضاء هيئة التدريس ممن يعينون فقط إلى أن امتد وخرج عن اختصاصه، وعن الفقرة “ب” من المادة الثانية من القانون رقم 69 لسنة 1973، والتى أناطت بلائحة المؤسسة العلمية تحديد السلطات والاختصاصات المخولة لمجالس إدارتها – اللائحة التنفيذية للهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد أناطت بمجلس إدارتها تقييم المؤهلات الأجنبية عند التعيين فى وظائف الهيئة. بل والذى زاد الطين بلة حينما وضع نفسه فى مكانة تقييم الدراسات العليا الأجنبية، سواء كانت الدكتوراه أو الماجستير أو دبلومات الدراسات العليا، والتى هى موثقة من الخارجية المصرية بمصر. وكأنه أصبح وصيًا على شهادات عليا من بلاد عريقة لم نصل لريادتها بعد، مخالفًا بذلك القانون، فكيف لهذا المجلس أن يعتمد أو يقر هذه الشهادات بعدما تم تصديقها من أعلى جهة تصديقية فى الدولة، ألا وهى وزارة الخارجية المصرية؟! مما أعطى انطباعا للمؤسسات والشركات والأفراد بأن الشهادة التى لم تعادل من المجلس الأعلى للجامعات تكون غير معترف بها، مستغلاً بذلك جهل هذه الشركات والمؤسسات والأفراد بالقانون المنظم لذلك. فعلى المجلس الأعلى للجامعات أن يعلن بوضوح وشفافية للجميع سواء كانوا أفرادا أو شركات أو مؤسسات.. إلخ. إن أى شهادة تم اعتمادها من الخارجية المصرية هى شهادة معتمدة وصحيحة، بل ويجب على الطالب ألا يراجعه فيها، إلا إذا أراد أن يعادلها من المجلس الأعلى للجامعات.. وأن كافة بيانات الشهادة صحيحة طالما أنها مصدقة من الخارجية المصرية، وأن معادلة الشهادة ليست إلا للتعيين فى وظائف أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية فقط، أما بالنسبة للمؤسسات والشركات وما شابهها فتعتبر الشهادة صحيحة ومعترف بها من دون الرجوع للمجلس الأعلى للجامعات، طالما أنها تحمل تصديق الخارجية المصرية حتى وإن لم تعادل من قبل المجلس الأعلى للجامعات. فى الواقع إننى أتفق مع أغلب أعضاء هيئة التدريس الذين يرون أن المجلس الأعلى للجامعات يعد كيانا غير موجود فى العالم كله وغير مرغوب فى وجوده، فهذا المجلس اختراع مصرى خالص، حينما أنشأه الدكتور طه حسين، حيث كان الهدف منه القيام بدور مجلس استشارى، أى أن يكون عقلا للأمة يفكر فى كيفية تطوير التعليم أو ما ينبغى فعله للتعليم، لكنه الآن انقلب حاله بالطبع من مجلس استشارى إلى أداء دور بيروقراطى سلطوى هو الذى يطالعنا ويخرج علينا بالقرارات، بل ويضع لنا السياسات التعليمية داخل الجامعة. وأخيرًا وليس آخرًا.. أدعو الحكومة إلى وضع قانون جديد للجامعات يتسم بالشفافية والمرونة ويحقق التوازن بين إرضاء الأفراد والارتقاء بالجامعات، وأن يتم إلغاء هذا المجلس الذى ليس له طعم ولا لون ولا رائحة، ويجب أن يتصدر هذا الموضوع فكر الحكومة، حتى نوقف التدهور الحالى فى التعليم العالى. [email protected]