ماذا حدث وماذا يحدث لنا؟ هل نعاقب على جرم غيرنا على مبنى أن السيئة تعم؟ كنا نعاني من القمع والذل والهوان والبحث في ساقية تلف لا تقف عن لقمة العيش ولا نعي لأي معنى من معاني الحرية، فكان النظر فقط كيف تأتي بلقمة العيش تدخل بها على أولادك وتشبع جوعهم وجوعك... كنا نقبل من يدوس على كرامتنا ويعاملنا معاملة الحيوانات وليس معاملة إنسان لإنسان وكان على لسان أكثرنا (امشي جنب الحيط ) وللأسف حتى الذي كان يسير بجانب الحيط كان يهان ويداس كالحشرة التي تسير على الجدران والأرض. وبعد أن قام الكثير بثورة على هذه الأوضاع، وبعد أن رددنا معًا بمحاكمة من كان السبب فى تربية الشعب على أنهم عبيد إحسانه، أفاجأ بأن هناك من يستمرون بتأييد الحاكم الذي كان يعتقد نفسه الحاكم الإله، بل ويقفون في وجه محاكمته ولا يريدون أن يقف في قفص الاتهام ولا يريدون محاكمته!! هل هذا معقول؟! هل أصيبوا هؤلاء بمتلازمة ستوكهولم التي يقولون عنها فى علم النفس بأنها تعاطف المجني عليه مع الجاني بل ويتعاطف معه أكثر عندما يرى من الجاني بعض اللحظات العطوفة الحنونة منه على المجني عليه وبما أننا شعب يتأثر بالعواطف فعندما يظهر علينا مبارك وأعوانه بوجه المريض المسن والأب الحنون فدون تردد توجه إليه مريدوه بالتأييد والترحاب والتحية بالقلوب. ومن الواضح أن الأكثرية من الشعب مصاب في أخلاقه وبدلًا من أن تكون أخلاقه أخلاق الأحرار النبلاء أصبحت أخلاقه أخلاق العبيد، سمات الخسة والنذالة ونفس العبد دائمًا ما تحن لمعبودها الذي كان يوفر لها المأكل والملبس، والكارثة الكبرى عندما تجادل مع أمثال هؤلاء وتقول لهم وهل كان في أيام مبارك مأكل أو ملبس يرد عليك في كل تبجح ويقول (كان بيخليهم يسرقوا وبيسبنا ناكل ونشرب وعايشين) أهؤلاء تحولوا من بني آدميين إلى حيوانات تعيش فقط من أجل العيش والأكل؟!! أتحولت نفسية هؤلاء كنفسية اليهود أيام موسى عليه السلام، فكانوا يهانوا وتداس كرامتهم بل وتُستحل نساؤهم ويقتل أطفالهم على يد فرعون ورجاله، وعندما جاء موسى بتعاليمه كان يترددون في اتباعه وكانوا يتباطئون فى كل خطوة وراءه بل وفي نهاية الأمر تركوا الحرية التي أرادها لهم وراحوا اتبعوا السامري وعبدوا عجل صوان. فكان لديهم الشعور بالحنين للعبودية، نفوس العبيد الخبيثة الدنيئة التي مهما تحررت تحن لعبوديتها الخسيسة. أحقًا وصلنا إلى هذه المرحلة.. مرحلة أخلاق العبيد.. هل ينطبق علينا ما قاله فؤاد الأول: ((كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساننا))؟ هل بالفعل لا حق لنا في المطالبة بالحرية والمعاملة الإنسانية؟ هل وصلنا إلى أن الشعب ما هو إلا عبيد إحسان هذا المخلوع السابق؟ للاسف الإجابة بنعم فيما يخص مريدي حسني مبارك، تحولت نفوسهم لنفوس العبيد الذي لا يستطيعون العيش دون مريدهم وحبيسهم داخل قفص العبودية. ففضلًا عن جرائم مبارك البشعة في حق مصر فإن الأكثر جرمًا ما فعله في نفس الشعب المصري فحوله بعد سياسة 30 عامًا إلى عبد ذليل يبحث عن لقمة عيشه فقط دون حرية وكرامة، أي لقمة يحس طعمها دونما حرية أو كرامة أو عدل ينصفه. وحتى لو قاموا بألاعيبهم القانونية اللعينة وأخرجوا مبارك وأعوانه براءة، بل حتى ولو عاد مبارك للحكم أو أي من وجوه حكمه الكريهة الخبيثة، فلن أتردد بقول إن الله هو فوق الجميع وعقابه لا يحتاج من البشر بتنفيذه، بل إن الله سينزل بعقابه على هؤلاء الملعونين في الدنيا وفي الآخرة كما أنزل عقابه على فرعون وأعوانه في الدنيا وفي الآخرة. ولن أيأس من أن أجد نماذج أخرى غير نماذج العبيد التي رأيتها، فليس كل الشعب المصري من يرضى بحالة عبوديته، بل هناك عرابي آخر وآخر وآخر، هناك من نفسه ثائرة على وضع الظلم والقمع والذل، نفسًا صاحبة خلق حر، وليس خلق عبيد. ولا أجد ما أٍختم به حديثي سوى ما قاله عرابي: ((لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا؛ فوالله الذي لا إله إلا هو، لا نُورَّث، ولا نُستعبَد بعد اليوم )) فاطمة محمد حسين المحامية [email protected]