اللائحة التنفيذية أقرب إلى التشريع منها إلى التنفيذ ويجب عرضها على "الشورى" رأى هيئة كبار العلماء غير ملزم للرئيس القانون يكرس دور السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية
شنَّ عبدالحليم الجمال، وكيل أول اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس الشورى، عضو حزب النور، هجومًا عنيفًا على حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان إيزاء مواقفها من بعض القضايا المطروحة على الساحة الفترة الأخيرة، مشيرًا إلى أن قانون الصكوك بصيغته الحالية ينحاز لدولة الأغنياء ويعمل على بيع مصر من الباب الخلفى عن طريق إعطاء المؤسسات الدولية حق إصدار الصكوك. وأضاف الجمال خلال حواره مع "المصريون" أن اللائحة التنفيذية أقرب إلى التشريع منها إلى التنفيذ ويجب عرضها على مجلس الشورى، منوهًا بأن حزب النور اقترح إصدار رئيس الجمهورية قرارًا بتشكيل الهيئة الشرعية بناءً على ترشيح مجلس الشورى مع أخذ رأى الأزهر، مشددًا على أن رأى هيئة كبار العلماء غير ملزم للرئيس. وإلى نص الحوار:
كنتم في حزب "النور" عازمين على منع الحكومة من تمرير قانون الصكوك قبل عرضه على هيئة كبار العلماء حتى لو اقتضى الأمر الطعن عليه بعدم الدستورية فماذا بعد إحالة رئيس الجمهورية للقانون لهيئة كبار العلماء؟ أقول بداية إننا نثمن استجابة السيد الرئيس لمطلبنا ونشكره على ذلك، وهذه ربما تكون سابقة لم تحدث فى حدود علمي، في الحياة البرلمانية الدستورية، وبشأن التساءل الذي يدور في أذهان البعض بشأن آلية التعامل مع هذا المشهد المستجد أقول إن المادة 230 من الدستور قد خولت مجلس الشورى بتشكيله الحالي سلطة التشريع كاملة حتى انعقاد مجلس النواب الجديد، كما أن المادة 104 من الدستور قد نصت على إبلاغ رئيس الجمهورية بكل قانون أقره المجلس ليصدره خلال 15 يومًا من تاريخ إصداره فإذا اعترض عليه رده إلى المجلس خلال 30 يومًا من ذلك التاريخ وإذا لم يرد القانون في هذا الميعاد أو أقره المجلس التشريعي ثانية بأغلبية 2/3 الأعضاء استقر القانون وأصدر، وإذا لم يقره المجلس لا يجوز تقديمه في دورة الانعقاد نفسه قبل مضي 4 أشهر في تاريخ صدور القرار. هل يفهم من ذلك أن الرئيس مُلزم بالأخذ بما ينتهي إليه رأي هيئة كبار العلماء؟ وفي حالة اعتراض هذه الهيئة على بعض النصوص هل يكون الرئيس ملزمًا برد مشروع القانون إلى مجلس الشورى لمعاودة التصويت على هذه النصوص؟ الرأي الصادر عن هيئة كبار العلماء ليس ملزمًا للسيد الرئيس، ولكن إذا ما رأى سيادته أن هذا الرأي جدير بأن يؤخذ به في تعديل بعض النصوص بالحذف أو الإضافة أو معاودة الصياغة أو الإلغاء فله أن يرد مشروع القانون إلى مجلس الشورى لمناقشة هذه التعديلات والتصويت مجددًا على الأحكام التي طرأ عليها التغيير على أن يكون ذلك كله في حدود المدة المنصوص عليها في الدستور. لكن بعض الناس يتساءل ما علاقة هيئة كبار العلماء بقانون يتعلق باستحداث أداة جديدة للتمويل، وهو موضوع مالي واقتصادي في الأصل؟ نحن ومعنا جميع المهتمون بالشأن الاقتصادي نرى أن هذه الأداة التمويلية الجديدة تصدر على أساس عقود مستمدة من الشريعة الإسلامية وفقًا لما تقرره الهيئة الشرعية، والتي نص قانون الصكوك على تشكيلها كعقود مرابحة والاستصناع والسلم والإيجازة والمضاربة والوكالة بالاستثمار والمشاركة في الربح والمزارعة والمساقاة والمفارسة وغيرها، والمادة الرابعة من الدستور تنص على أخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية. ألم يغنِ عن أخذ رأي هيئة كبار العلماء الذي أصررتم عليه وجود بعض الأعضاء بمجلس الشورى ممن ينسبون إلى الأزهر ومنهم هامات كبيرة كالشيخ نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق مثلًا؟ أقول إننا نرى من حيث المبدأ أن الدستور هو أخطر وثيقة وضعية في حياة الشعوب، وأنه يجب أن يستقر في وجدان أبناء الوطن، وأن هذا الاستحقاق وما تمتع به من المشروعية جدير بأن ينفذ بالطريقة التي رسمها المشرع الدستوري فيه، والهامات الكبيرة من العلماء أصحاب العضوية بالمجلس لا يعبرون في مناقشاتهم إلا عن آرائهم الشخصية الجديرة بالاحترام، إلا أنها في النهاية قد لا تعبر عن رأي هيئة كبار العلماء مجتمعة. هل كانت لكم بعض التحفظات الأخرى على مواد القانون قبل الموافقة عليه بالمجلس؟ لقد أثارت بعض المواد في مشروع هذا القانون تخوفاتنا من ناحية تملك الأجانب لأصول الدلة الناتجة عن طرح الصكوك فالفقرة "ه" من هذه المادة قد جعلت من ضمن الجهات التي يجوز لها إصدار الصكوك المؤسسات الدولية ووفقًا لنص المادة 18 فإن الجهة المستفيدة أي مصدر الصك وهي في هذه الحالة المؤسسات الدولية ستسترد الصكوك في نهاية مدتها بأداء قيمتها لمالكيها مع شراء موجوداتها القائمة وقت الاسترداد، وهذا يؤدي إلى تملك المؤسسات الدولية ما استحدث من موجودات تولدت عن هذه الصكوك، وهو ما يهدد مقدرات الوطن لتملك الأجانب. ومن المعلوم أن هذه المؤسسات الدولية ليست مالية خالصة ولكنها مؤسسات ذات توجه سياسي يخشى في حالة فتح باب تملكها لموجودات المشروعات التأثير على إدارة الأمة وحرية قرارها الاقتصادي وربمات المساس بأمنها القومي، وذلك فضلًا عن أن هذا القانون لا يقدم الحماية الكافية لأصول الدولة في صكوك الملكية والإجارة ولا يحمي موارد الدولة أيضًا في صكوك السلم بدرجة كافية. ثم ماذا عن التحفظات الأخرى؟ كذلك رأينا وما زلنا أن بعض نصوص هذا القانون قد جاءت مجملة في غير موضع الإجمال ومطلقًا في غير موضع الإطلاق، مما يعطي للائحة التنفيذية الحق في تفاصيل هذا القانون لاسيما أن الإدارة التنفيذية هي من تضطلع بكتابة اللائحة، وهو ما يجعل نصوص اللائحة التنفيذية أقرب إلى التشريع منها إلى التنفيذ. ثم ماذا؟ ذلك بالإضافة إلى رفضنا لنهج الحكومة في مشروع ذلك القانون فيما يتعلق بتكريس دور السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية، ويكفى أن أقول في هذا الصدد أن الحكومة هي التي تعين الهيئة الشرعة المركزية المنصوص عليها بالمادة 20 من هذا المشروع بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على ترشيح وزير المالية، ومن غير المعقول أن يختص وزير المالية بترشيح أعضاء هذه الهيئة المختصين بالفقه الإسلامي والدراسات الشرعية. وقد اقترحنا أن يصدر قرار تشكيل هذه اللجنة من رئيس الجمهورية بناءً على ترشيح مجلس النواب ومجلس الشورى، وبعد أخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ولا مانع من أخذ رأي وزير المالية فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي في دراسات أعضاء هذه الهيئة مع إعمال الاشتراطات الواردة في هذه المادة. ذلك فضلًا عن أن السلطة التنفيذية أيضًا هي التي تعين هيئة الرقابة المالية التي تختص دون غيرها بتحريك الدعاوى القضائية بمخالفة أحكام هذا القانون، وأيضًا التصالح فيها وهذا يثير شبهة تعارض المصالح، لأن الحكومة نفسها قد تكون هي المُدَّعى عليه في بعض هذه المنازعات. أضف إلى ذلك كله اختصاص هذه السلطة- أعني السلطة التنفيذية- بإصدار اللائحة التنفيذية لهذا القانون التي سبق أن أوضحت أنها أداة ستكون أقرب إلى التشريع منها إلى التنفيذ في ظل الإجمال والإطلاق الذي عانت منه بعض نصوص هذا القانون، ولا مناص من معالجتها بالتفصييل أو التقييد في هذه اللائحة. وأقول أخيرًا في معرض تحفظاتنا أننا كنا وما زلنا نتوجس من انحياز بعض نصوص القانون لدولة الأغنياء فالمادة 11 على سبيل المثال قد نصت على ألا يقل الحد الأدنى لقيمة أي إصدار من الصكوك التي تصدرها شركات مساهمة وشركات التوصية بالأسهم عن خمسين مليون جنيه مصري أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية وهذ يحرم صغار المستثمرين من الانتفاع بهذه الأداة التمويلية الجديدة. هل لنا أن نعود إلى الموضوع من بدايته ليعرف القارئ ما هو الصك؟ الصكوك أوراق مالية اسمية متساوية القيمة تصدر بالجنيه المصري أو بعملات أجنبية عن طريق الاكتتاب العام أو الخاص وتمثل حصصًا شائعة في ملكية موجودات أو منافع أو خدمات بغرض تمويل الشركات أو المشروعات، وهي أداة تمويلية جديدة تضخ أموالها للمرة الأولى في عجلة الاقتصاد المصري، وقد حققت نجاحات مذهلة في العديد من دول العالم الإسلامي، وكذا في دول أخرى غير إسلامية. هذه الأداة ليست طاردة لغيرها من أدوات التمويل بل هي أداة مضافة تدخل ضمن منظومة الأدوات الأخرى، وهي أقلها خطرًا وأقلها تكلفة وأعظمها ربحًا. هل يمكن لصغار المدخرين الاستثمار في الصكوك؟ وهل سيستفيد عامة الشعب منها؟ نعم، يمكن لصغار المدخرين الاستثمار في الصكوك كل بقدر حاجته وإمكانياته وحسب طبيعة المشروعات والخدمات التي ستطرح الصكوك عليها. وكيف ستساعد الصكوك في تحسين الوضع الاقتصادي؟ الصكوك ستساعد في رفع معدلات الادخار المحلي واستثمار أموال المدخرين في زيادة عدد المشروعات ودوران عجلة الإنتاج والتخفيف من حدة البطالة وتحقيق عائد مناسب لأصحاب هذه الصكوك خاصة في ظل الثقافة التي تسيطر على طبقة المدخر المتوسط والصغير في مصر والتي تخشى من التعامل مع الجهاز المصرفي مباشرة مخافة الوقوع في إثم الربا. بعض الناس يتخوفون من بيع قناة السويس ونهر النيل أو الأهرامات للأجانب عن طريق طرح الصكوك عليها.. فهل هذا صحيح؟ هذا كلام غير صحيح بالمرة، فالمادة 4 من هذا القانون لا تجيز أن تكون العقارات أو المنقولات أو الموجودات المملوكة لدولة ملكية عامة محلًا لعقود إصدار الصكوك عليها وبمعنى أدق فإن كل ما كان مخصصًا للنفع العام لا يجوز إصدار الصك عليه. هل هناك مخاطر من الممكن أن تتسبب في إلحاق الخسارة بصاحب الصك؟ الصكوك أداة مالية كأي أداة أخرى للتمويل فهي تمثل أصولًا غير نقدية، قد تكون موجودات في المشروعات أو سلع أو عقارات أو وسائل نقل و معدات وقد تكون أنشطة صناعية أو زراعية أو مشاريع خدمية وهذه الأصول بطبيعة الحال معرضة للتلف أو انخفاض القيمة وتتنوع المخاطر على هذه الصكوك، منها على سبيل المثال المخاطر التشغيلية ومخاطر التعثر ومخاطر التعدي ومخاطر تقلبات السوق ومخاطر تذبذب سعر العملة ومخاطر ارتفاع تكاليف الإصدار وغيرها، وصاحب الصك شريك في تحمل الخسائر، كما أنه شريك في حصد الأرباح. ومع ذلك فإن احتمالات وقوع الخسائر في الصكوك أقل بكثير من احتمالات وقوع الخسائر في غيرها من أدوات التمويل الأخرى، وذلك عن طريق الآلية التي وضعها القانون لضمان إجراء دراسات جدوى دقيقة وموضوعية لمشروعات وكذلك الإلزام بإنشاء صندوق لمواجهة المخاطر كل إصدار يتم تمويله بنسبة معلومات من عائد هذا الإصدار، ذلك فضلًا عن إلزام القانون بتعهد طرف ثالث بتقديم هبة تعادل قيمة الأصول الاسمية في حالة تعرضها للهلاك، بالإضافة إلى ذلك كله فإن إصدارات الصكوك تتم تحت رقابة كل من الهيئة الشرعية المركزية التي نص عليها القانون وكذا هيئة الرقابة المالية وكلاهما من الهيئات ذات الاستقلالية والحيدة.