سمّها – إن شئت – توازنات أو مواءمات , أو سياسة , أو دهاء , أو خدعة , أو مناهج تغيير , أو ما شئت من التسميات التى تروقك , فلن أعترض كلامك , ولن أحاجّك فى التسمية , ولكنى أسمّى هذه الحالة : الرقص على الحبال . ولها مظاهر يغص بها الواقع , وهى علامات عدم الحسم , والتردد بين طرفين , والتذبذب بذريعة قد تبدو شرعية – المصالح والمفاسد - ولكنها ليست كذلك ؛ إذ لم تكن المصلحة ودرء المفسدة – أبداً فى هذا التهافت والضعف عن إعلان انحياز كامل ومبدئى للتغيير الجذرى والثورى المستند إلى إرادة شعبية , ومصارحات ومطارحات مجتمعية تجعل الناس هم الفاعلين أكثر من كونهم – اليوم – متلقين , وتوجد حالة من الشعور بالانتقال أو بداية قطيعة بين ماضٍ وآتٍ . إن خصوم المشروع الإسلامى لأسباب تاريخية ونفسية وسياسية وثقافية , ومصاصى دماء الشعوب , كل أولئك أعلنوا انحيازهم لإفشال تجربة لم تبدأ بعد , وبكل الوسائل , حتى وإن أدّت إلى احتراق أصل الوطن الذى يزعم كل أحد الحديث باسم مصلحته , وقد دلّت المشاهدات أنّه لم يعد بوسع أحد المشى على حبلين , ولا اقتضاء صراطين , وإنما باتت الحكمة كل الحكمة فى أمور : 1- تجويد العمل السياسى والقانونى والجماهيرى غاية ما يكون التجويد , فقد يكون العمل والقرار صائباً فى مبدئه ولكن يشوبه نقص فى الإخراج , وفى طريقة تسويقه , وأسلوب الدفاع عنه ؛ مما ينذر بهجوم يستغلّ اللغط , وقصور الرؤية لدى البعض , وأمثلة ذلك كثيرة منها : إخراج قانون الانتخابات (الموقوف ) , إقالة أحد مستشارى الرئيس , حتى إقالة النائب العام السابق , ووقائع لا تعد من بدء الثورة وحتى يومنا هذا , ولعل أكثر هذه الإجراءات جودة - رغم ما شابها - كان التخلّص من المشير والفريق . 2- الحسم وعدم التردد فى إعلان الانحياز لمشروع واضح المعالم , وحشد الناس له , وإيجاد شركاء وطنيين بينهم قدر من المشتركات ومساحات اختلاف غير متصادمة ولا متضاربة . 3- الاستقواء بالشعب – الذى لا أشك فى انحيازه هو أيضاً للوضوح والصدق – ولعلّه يوجد - , وللمصارحة ولإشراكه فى الأمر دوماً , ونحن فى مرحلةٍ الدعوة إلى فصل الشارع بجماهيره الدافقة عن القرار والمسار خطأ فادح ؛ إذ سيبدو أن قلّة – لا تعبّر عن جموع الشعب , وهى لا تكف عن النزول إلى الشارع – هى المتحدثة باسم الجماهير, وأنها هى الثورية , والمعارضة دون سواها - مما سيخلق رأياً عاماً مصنوعاً ومضلّلاً معرقلاً لكل حراك للتغيير الذى يصطدم ورغباتهم : التاريخية والسياسية والنفسية والثقافية . إذا كنت ذا رأى فكن ذا عزيمة *** فإن فساد الرأى أن تتردّدا ولا تمهل الأعداء يوماً بغدوة *** وبادرهم أن يملكوا مثلها غدا 4- وضع قائمة بالتشريعات الجديدة والمتوافقة مع الدستور والتى تمس حاجات الناس وتفعيلها أو على الأقل الإعلان عن وجودها فى خريطة التشريع , وشغل الناس بمنهج التغيير وجعله حديثاً للناس . 5-الخوف والوجل والتطلع لأكثر من جهة آفة العمل , والسعى وراء السراب من توافق موهوم لن يكون إلا تمييعاً ويصب فى صالح جماعات المصالح فى الداخل والخارج , وقد أُثر القول: " إذا كان الحلم مفسدة كان العفو معجزة , والصبر حسن إلا على ما أوقع بالدين , وأوهى السلطان , والأناة محمودة إلا عند إمكان الفرصة " كم من فرصة ذهبت فعادت غصة *** تشجى بطول تلهف وتندُّم والحكم والسياسة تحتمل كل شىء إلا : إفشاء السر , والقدح فى الملك , والتعرض للحرم . وقد رأينا كل ذلك , وما كان أغنانا عنه , فهل من ترشّد ورشاد , وإحكام للأمر وسداد ؟! أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]