في مقبرة الشهداء بمدينة النجف العراقية (جنوب)، وغداة يوم اليتيم العربي، التقت الأناضول السيدة "بدرية جبار" (54 عاما)، وهي تبكي وتعاتب قبر ولدها علاء عبد المحسن، وتشكو شدة الفقر التي جعلت من رعاية أحفادها الأربعة اليتامى مهمة صعبة بل وشبه مستحيلة، كما قالت. قصة محزنة بدأتها الجدة بدرية بينما قالت "قبل كم يوم حاولت الانتحار مع الأطفال الأربعة بإلقاء أنفسنا في النهر، لأن حفيدي الصغير جاء وطلب مني أن أشتري له حذاء مثل صديقه في المدرسة، وأنا لا أملك المال حتى اشتري له ما يريد لذا قررت الانتحار معهم هم الأربعة أيضا لكي نتخلص من الحرمان والفقر ولكن جارتي منعتني من ذلك وقالت لي إن فعلت هذا الأمر فإنك ستغضبين رب العالمين لذا عدلت عن قراري ولم أنتحر". واستمرت السيدة بدرية برواية معاناتها مع أحفادها اليتامى الأربعة لولدها الذي قتل أمام بيته على يد الأمريكيين في إحدى قرى مدينة النجف قبل حوالي تسع سنوات، وقالت "في يوم 11 من شهر سبتمبر/أيلول عام 2004، فتح الأمريكيون النار بصورة عشوائية على بعض شبابنا الذين كانوا واقفين أمام باب دارنا وقتلوا منهم اثنين، أحدهما ولدي والآخر ابن جارنا". وأضافت: "ومنذ ذلك التاريخ نسعى من أجل الحصول على حقوقهم من الدولة، ولكن لم يمنحنا أحد أية حقوق، وترك لي ابني أربعة اطفال يتامى، وزوجته أيضا تركتنا وذهبت، وبقيت أنا واليتامى لا أعلم ماذا أفعل، فالحكومة لا تمنحنا أي حقوق لنستطيع تربية يتامى شبابنا اللذين راحوا فداء للوطن، وأقوم ببيع الخضروات في السوق كي أستطيع توفير الأكل لهم ولكن هذا العمل لا يكفي خاصة وأنني أرملة ليس لي معين ". ولفتت السيدة بدرية إلى أن "ولدها الشاب استشهد وهو يبلغ من العمر ثلاثين عاما، وترك لها أولاده الصغار"، مضيفة: "حينها كان أصغر طفل تركه لي عمره 37 يوما، وهو رضيع وتركتني أمههم أيضا وذهبت وتزوجت من شخص غريب لا نعرفه". استدركت الجدة موضحة أنه "مضت تسعة أعوام وأنا أراجع السلطات العراقية من أجل الحصول على راتب تقاعدي لولدي الشهيد لصرفه على أولاده اليتامى بلا نتيجة ، فكلما أراجعهم يؤجلوني، ولا أعلم ماذا أعمل هل أذهب وأسرق كي أعيلهم أم ماذا أفعل". وأشارت إلى أنها قامت قبل أسبوع ببيع الطحين الذي تخبزه في البيت ويأكلونه هي وأحفادها الأربعة حتى توفر المال الكافي لإرسال أحد أحفادها الذي يعاني من ألم في كليتيه الى الطبيب لمعالجته، وقالت "هذه هي معاناتنا وهذه هي دولتنا يتشاجرون على الكراسي ويسرقون الأموال العامة ولا يشبعون ولا يهمهم المواطن ولا الفقير ولا اليتيم ولا الأرامل وتركونا لقدرنا فالله يعيننا على بلوانا". وخلال اليوم نفسه، التقت مراسلة الاناضول خلال تجوالها في شوارع مدينة النجف، بطفلين على عربة يجرها حمار، يقومان بالتسول ويجمعان من النفايات ما يستطيعان بيعه للتكسب منه. وقالت الطفلة أحلام وهي في الثامنة من عمرها "أنا يتيمة وهذا أخي معي، ووالدنا توفي في انفجار" من توابع الانفلات الأمني الذي شهده العراق عقب الغزو الأمريكي في مارس/أذار عام 2003. وأضافت الطفلة العراقية: "لا نملك أحدا غير والدتنا، وهي لا تستطيع العمل ولا يوجد لدينا معين لذا نقوم كل يوم بالتجوال في شوارع المدينة ونجمع الأشياء المفيدة من النفايات ونبيعها حتى نحصل على قوتنا كي نعيش منها نحن ووالدتنا". أما عن الدراسة، فذكرت أحلام أنها لا تذهب الى المدرسة رغم التعليم المجاني في العراق، لأن هذا يتطلب منها مصاريفا لا تقدر عليها بالإضافة إلى أنها ستضطر حينها إلى ترك عملها في شوارع المدينة والالتزام بالدوام المدرسي، ما سيفقدها قدرتها على العمل مع أخيها لجلب الأموال للبيت. وختمت حديثها بالقول: "أنا أعمل مع أخي كي يسند أحدنا الآخر حتى نحصل على نقود من أجل مساعدة والدتنا لذلك فأن التعليم ليس مهما بالنسبة لنا قدر أهمية الحصول على المال من أجل المعيشة". ويحتفل بيوم اليتيم في أول جمعة من شهر أبريل كل عام في محاولة لرسم بسمة على شفاه الأطفال الذين فقدوا والديهم.