منذ بضع سنوات كتب لواء سابق شهير بأمن الدولة كتابا عن الإخوان المسلمين يحكي فيه شيئا من تاريخه معهم من وجهة نظره .. وقد قرأت الكتاب في حينه فلم اشعر في حكاياه بكبير ثقة .. إذ أن اللواء الشهير استدل في أكثر ما حكي بإقرارات كتبها أصحابها في السجن أو في مقرات امن الدولة أو برسائل كتبوها بناءا علي طلبه .. وقد اعتبر هذه الإقرارات وتلك الرسائل وثائق يستدل بها علي مصداقية حكاياه .. ولا يخفي علي كل من له معرفة بالظروف التي تكتب فيها مثل هذه الإقرارات والرسائل من المعتقلين ومن لهم صلة بهم أن مثل هذه الوثائق لا يعول عليها إذ يندر أن تكون صحيحة أو علي الأقل دقيقة عادة إذ الظروف الشديدة التي استكتب فيها ما كتب تنفي عنها الدقة والمصداقية . لا أدري ما الذي ذكرني بهذا الكتاب وأنا أتابع موسوعة الصديق العزيز مختار نوح عن الحركة الإسلامية التي تنشرها صحيفة المصريون الغراء رغم الفارق بين الكاتبين والكتابين . وبداية فالأستاذ مختار صديق قديم اعرفه منذ سنوات شبابي الأولي واعتز كثيرا بصداقته واستمتع بكتاباته المتفردة وأسلوبه المميز في التعبير عما يريد .. قد أخالفه أو أوافقه ولكنه الخلاف الذي لا يفسد مابيننا من ود وباختصار فاني أستاذنه في أن اعرض لشيء مما كتب أملا في أن تسمح الظروف لمزيد من التفصيل في فرصة أخري طمعا في أن أشاركه في إفادة إخواننا القراء حول هذا الموضوع . الأستاذ مختار جعل أكثر حديثه عن قصة حادث الفنية مرتكزا علي وثيقتين الأولي هي تحقيقات النيابة مع من اتهموا في القضية .. وكل من خاض أو عرف من خاضوا تجربة التحقيقات - وأنت بالطبع خير من يعرف لأنك خضت وعرفت من خاض – يدرك أن المتكلم أمام النيابة إما انه يتعرض لضغوط شديدة تفرض عليه أن يقول كلاما لا يريده وكثيرا ما يكون هذا الكلام بعيدا عن الحقيقة مما يملي عليه وإما انه لم يتعرض لضغوط – وهو أمر نادر الحدوث – فانه في هذه الحالة يسعى لتفادي الحديث عما يدينه إذ هو يعرف أن كلامه إما أن يقوده إلي المشنقة أو السجن الطويل وإما أن يذهب به إلي البراءة .. وبالتالي فما يقوله مرتبط بتصوره عما يمكن أن يدينه من وقائع فيحذف أو يحرف أو يضيف ما يتصور انه يساعده علي النجاة وقل من يقول الحقيقة المجردة الخالية من الشوائب وعليه فالتحقيقات لا تصلح وحدها لتوثيق معلومة تاريخية كيف وأصحاب هذه الأحداث أكثرهم لازال حيا ويمكن توثيق تلك المعلومات منهم بعد أن زالت الضغوط عنهم وسيكون كلامهم بالتأكيد اصدق مما قالوه في التحقيقات وأنت تعرفهم جميعا وقد عمل بعضهم في مكتبك بعد خروجه . أما ما ساقه الأستاذ الكبير من حديث طلال الأنصاري فإنني رغم أنني لا أتهمه ولا أسئ به الظن إلا أن ما قاله مثلا عن علاقته بالإخوان لا يصلح أن يكون معلومة موثقة فهو أولا انفرد بادعائه ولم يذكر من حضور لحكاياه إلا من شبعوا موتا والموتى لا يتكلمون تصديقا أو تكذيبا وثانيا فالإخوان وهم الطرف الثاني في القصة مازالوا ينكرونها رغم مرور هذه السنين الطوال .. كيف والتحقيقات - مع ما نعرفه من ضغوط يتعرض لها المحقق معهم – لم تثبت هذه الصلة ولم تدخل أي من أصحابها في التهمة وبالمثل ما أخبر به عن جماعة التكفير .. بداية أنا ارفض التكفير بدون حق ولنا علي فكرهم ردود ومساجلات تدل علي خصومة فكرية شديدة ورفض حاسم لمقولاتهم .. ولكن هذا شيء وان يقال أن جريمة قتل الشيخ الذهبي كانت ثمرة اتفاق بينهم وبين الأمن شيء آخر وهو ما أعتقد انه غير صحيح فعبد الرحمن أبو الخير الذي نقل الأستاذ مختار من هلوساته صفحات كاملة كانت علاقاته بالجماعة علاقة هامشية لا تسمح له بالإطلاع علي مثل ما ادعاه .. وقد اشتهر بين من يعرفونه – واعتقد أن الأستاذ منهم – انه يعيش جو المؤامرة فيتخيل في كل حدث مهما كان عاديا مؤامرة وتخطيطا .. وعادة ما يضيف من خيالاته وأوهامه قصصا وحكايات لتدعيم دعواه ولا يكفي أن تسوق كلامه منسوبا إليه دون أن تعرف الناس به –وأنت اعرف به – لكي تبرا ذمتك فان علم الجرح والتعديل الذي ابتكرته عبقرية علمائنا إنما فعلوه لأمثال هؤلاء لكي نوثق للناس ما ينقل إليهم . كيف وكلامه لم يوثقه احد ممن نسب إليهم الكلام – وبعضهم مازال حيا – ولا وافقه احد ممن لهم بهؤلاء معرفة ولم يقل به احد في التحقيقات وقد كان مثل هذا القول مفيدا في الدفاع عنهم . ولا أدري لماذا لم يلتق الأستاذ بمن بقي من قيادات الجماعة وهم كثير وهو يعرفهم جميعا ليوثق من ألسنتهم ما يقول .. وهم بالقطع أوثق من أبي الخير واعرف بالحقائق . اكتب هذا مع حبي واحترامي للأستاذ ورغبتي ألا أختلف معه ولكني اخشي أن يقرا هذا الكلام من لا دراية له بما يجري في هذه التحقيقات أو من لا يعرف هؤلاء الأشخاص فيظن ما يقال حقائق موثقة بتلك النصوص وتاريخا محققا لجماعتهم وهو ليس كذلك . أتراني لو أردت أن اكتب تاريخ الإخوان أيصلح أن انقل ذلك من تحقيقات محكمة الشعب أو تحقيقات قضية سيارة الجيب أو قضية التفجيرات الكبرى أم أخذه من كتابات الأستاذ السكري – وقد كان وكيلا لجماعة الإخوان وأستاذا للشيخ البنا رحمه الله – أو من عبد الرحمن السندي – وكان رئيسا للتنظيم السري – أو من أمثالهم ممن انشقوا علي الجماعة وهاجموها .. أم أخذه من كتابات مخالفيهم أمثال رفعت السعيد وعبد العظيم رمضان .. بالطبع ليس هؤلاء بمصدر علمي موثوق لمعرفة تاريخ الأخوان .. وكذلك ليست تحقيقات النيابة ولا أقوال طلال وأبي الخير بمصدر صالح لكتابة تاريخ هذه الجماعات . كيف وحضرتك تنفرد الآن بكتابة تاريخهم إذ لم يفعل أصحابه ذلك بعد - فيما اعلم – . أستاذ مختار اعتقد انك توافقني فيما قلت خاصة وانك رجل قانون مخضرم تبني مرافعاتك علي توثيق المعلومات وتحقيقها أولا .