لا أستطيع أن أقول إن رحلتي إلى كوريا لم تكن كأي رحلة خارجية لي من قبل، لسبب بسيط وهو أن هذه الرحلة هي الأولى لي خارج موطني مصر في سنوات عمري السابعة والعشرين! أي أنه لم تكن لي رحلة خارجية من قبل؛ إلا أنني أستطيع أن أقول إنها ستكون مختلفة بكل تأكيد عن أي رحلة قادمة لي إن شاء الله! هل وقعت في حب الجميلة كوريا؟ لا أدري في الحقيقة! ربما! لكنها بلد تحبها بكل تأكيد! البشر والتصنيع الذي لا يتوقف والبساطة والقلة في كل شيء تقريبًا من العوامل التي تساعدك على حب هذا البلد! ولعل مقالي هذا ومقالاتي القادمة ستحمل لك بعض الأسباب الأخرى بالتفصيل إن شاء الله! لكنني - لو كنت تعرفني - لم أذهب إلى كوريا للوقوع في حبها هي! لا يا سيدي! وهل يُشغل القلبُ المشغول؟ أو يهتم الفؤاد المهموم؟ حتى وإن أحببتها؛ فلا أعتقد أنها تهتم كثيرًا لهذا الحب من ذلك الغريب الآتي من بلد بعيد يأكل الناس فيه كثيرًا ويضعون ثلاث ملاعق سكر على الشاي! ربما لن أدهش لو نظرت لي نظرة استغراب، أو نصحتني في شفقة مثلما فعلت معي نادلة ذلك المطعم في مدينة يانج بي يونج عندما تجرأت وطلبت ملعقتين من السكر على القهوة بدلا من واحدة مثل الجميع! ابتسمت النادلة في خجل وطلبت من صديقي الكوري المهذب السيد "كارسون" أن يخبرني أن ملعقتين من السكر على القهوة ليس جيدًا لصحتي! فارتسمت على عيني ذات نظرة الدهشة وعلى شفتي ذات ابتسامة التعجب الموجودتين على وجهك الآن! لم أقع في حب كوريا رغم إعجابي بها، وبالطفرة التي حدثت في العشرين سنة الأخيرة! لم أقع في حبها لأنني ببساطة هائم حتى النخاع بمعشوقة أخرى، أحبها كثيرًا! حب من ذلك النوع الذي قد يضر بالصحة! رغم أن الكثيرين غيري أحبوها فلست وحدي حبيبها؛ إلا أنني أشعر أنني أحبها بصدق من كل قلبي! ليتها تعلم كم أحبها! وحيث إنني أؤمن أنه في الجنة إن شاء الله سيكون كل شيء مجابًا، فإنني سأسأل الله عز وجل إذا أكرمنا وجعلنا – إن شاء الله – من أهل الفردوس أن ألتقي مصر وجها لوجه، وأحدثها لأناقشها في بعض الأمور! فهناك بعض الأمور أريد أن أعرفها منها هي، وأسمع رأيها فيها! وهناك كما تعلمون بعض الأمور التي تحدث في مصر وربما لن تفهمها إلا يوم القيامة. إن زيارتي إلى كوريا كانت للتدرب على موديل جديد من جهاز طبي تنتجه شركة كورية، وبالتالي فقد كانت زيارة عمل في المقام الأول، لكنني على المستوى الشخصي كنت متشوقًا كي أرى ما الذي يمكن أن ألخصه وأعطيه لمصر من هذه التجربة! وحتى تفهم قضية التلخيص سأحكي لك مهارة تعلمناها في التسويق! قاعدة تقول تحدث مع العميل عن الفائدة ولا تتحدث عن الخاصية! بمعنى: إذا كنت تبيع تلفازًا ذا شاشة 32 بوصة، فلا تخبر العميل أن هذا التلفاز به شاشة 32 بوصة! ربما لن يفهم ماذا يعنيه ذلك! بل قل له إن هذا يعني رؤية واضحة ويسر في قراءة الكلمات ومتعة أكبر في المشاهدة ورؤية كافة التفاصيل ووضوح الألوان....إلخ! بنفس المنطق؛ ماذا كان الموظفون في شركتي سيستفيدون من رحلتي إذا قلت لهم لقد أعطوني كتابًا يفوق ثلاثمائة صفحة، وفلاش ميموري مساحتها 2 جيجا بايت ملأى بملفات التشغيل والمساعدة! أريدكم جميعًا أن تذاكروها! الفائدة الحقيقية أن تلخص هذا كله في 18 نقطة فقط تخبرهم بها ليخبروا العملاء بها، ولا مانع من الاستزادة! لهذا كنت أحاول منذ البداية الإجابة على سؤال ماذا يمكن أن أفيد مصر من هذه التجربة؟ (غير التجارة والبعد الاقتصادي) أعتقد أنني وضعت يدي على بعض المفاتيح! وقد يقول قائل، وهل تعتقد أنك أتيت بالديب من ذيله؟ أظننت حقا أنك أول من يسافر للخارج، أو أول من يفكر فيما تحتاجه مصر؟ ربما كنت لأقول ذلك لو لم أكن درست سيرة النبي صلى الله عليه وسلم جيدًا، ورحم الله الإخوان الذي علمونا سيرته صلى الله عليه وسلم وأوصونا بدراستها بعناية! ففيها تعلمنا أن جنديًا من صحابته صلى الله عليه وسلم أتى من آخر الجيش اسمه الحباب بن المنذر، لم يكن معروفًا في السيرة قبل هذه الواقعة مما يدل على أنه لم يكن مشهورًا بين الناس كأبي بكر وعمر مثلا رضي الله عنهما! جاء هذا الجندي الصحابي رضي الله عنه وقال له: "يا رسول الله: أهذا منزل أنزلكه الله فلا يجوز لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟" يعني: هل النزول في هذا المكان خلف بئر بدر وحي من الله فسأعود مكاني وأطيع وأنفذ الأمر، أم هو اجتهاد من حضرة النبي صلى الله عليه وسلم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم مشجعًا: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة" وفي رواية: "بل هو الرأي والحرب والمشورة!" أي أشر علي إن كنت ترى غير ذلك أو أفضل منه، فقال الصحابي الملهم رضي الله عنه: فإن هذا ليس بمنزل! أرى أن ننزل أمام بئر بدر فنشرب ولا يشربون (يعني الكفار) ونسقي ولا يسقون (يقصد الخيل والبعير)، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عموم الجيش بالنزول على رأي سيدنا الحباب رضي الله عنه وفعل ما أشار عليهم به! وحيث إنني أقل شأنا من سدينا الحباب رضي الله عنه، ومن اتهمني بأنني لن آتي بالذئب من ذيله أقل شأنا بكل تأكيد من النبي صلى الله عليه وسلم، والقضية موضع النقاش أقل شأنا من غزوة بدر الكبرى في الإسلام، فسأسمح لنفسي أن أدلو بدلوي وأعبر عن رأيي وأبدي نصيحتي لمحبوبتي الغالية مصر! وكما وضع صحفي نمساوي يهودي شاب اسمه "تيودور هرتزل" أفكاره الخاص حول الدولة التي يريد اغتصابها وإنشائها في كتاب أسماه "الدولة اليهودية" لم تتعد صفحاته ال 65 صفحة! فإنني أجد أنه من حقي – وربما من واجبي أن أكتب أفكاري الخاصة أيضا! صحيح أنني وضعت يدي على مفتاحين رئيسيين تحتاجهما مصر الفترة المقبلة، يعتبران توصيفا لحالة النجاح المنشودة ويمكنني وضعها هنا وينتهي الأمر؛ إلا أنني سأحكي باختصار - إن شاء الله- تفاصيل هذه الرحلة الشيقة التي أعتقد جازما إن شاء الله أنها أيضا ستفيد المصريين! أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]