كم هم كثر فى عالمنا الإسلامى والعربى. وتركيب هذه الشخصية غريب عجيب، فهو يخرج من الثوب الإنسانى الى أى ثوب آخر. حتى إن علماء النفس والاجتماع والمتخصصون بالعلوم السلوكية، قد عكفوا على دراسة هذه الشخصية، وأبرز ملامحها ومقوماتها الشخصية، فهذا أفلاطون يحدد شخصية الطاغية وذلك عن طريق تحديد رغبات الإنسان وقد قسمها إلى نوعين: (ضرورية – غير ضرورية). فالرغبات الضرورية منها: إشباعها مفيد مثل الطعام، وإن كان الإسراف فيها قد يكون مضراً. ورغبات غير ضرورية غير مفيدة مثل الملذات والرغبات. - وهنا يقول أفلاطون (ولسنا نحن): تصوير الطاغية على أنه يندفع نحو الرغبات الهوجاء حيث تحتل رغباته الهوجاء نفسه, فيندفع نحوها, ليتولد بنفسه حب جارف لها، فيقوم برعاية مثل هذه الرغبات السوية وغير السوية، فيتخذ من الجنون زعيماً لحراستها, فيقتل فى نفسه كل اعتدال ويدعو الجنون ليحل محلها. ويغدو المرء الطاغية (فى كل عصر ومصر)، بالطبع أو بالتطبع، حين يجمع صفاته بين الصفات المنبوذة, وحين تسيطر رغباته اللاواعية عليه. فأى اندفاع بشعوره الهمجى ليتحكم بسلوكه العام. - كيف يحيا الطاغية؟ حياة الطاغية سلسلة من أعياد اللذة, والمآدب والعشيقات, وغيرها من انحرافات، فيعيش الطاغية حياة بوهيمية بلا قيم ولا مبادئ. تقتضى الاتفاق الكبير, وتستبيح إراقة الدماء, وأكل الحرام, وارتكاب أى سلوك شائن, لتوسعة قواه الداعية إلى الفوضى والاضطراب, ويقود الأمة إلى مغامرات طائشة لا حدود لها من الحروب والكوارث وغيرها من المآسى, تكلف أمته الثمن الباهظ فقط ليمارس ساديته وحبه للعنف وللقتل والدمار، كم هم من فعلوا ذلك فى أممهم وشعوبهم. - من هم أعوان الطاغية؟ لن يرافقه سوى رفاق السوء, لذا ليس من المستغرب أن يقترف المقربون منه, للسرقة والسلب واغتصاب أموال الغير, فيحترفون الوشاية, والرشاوى، وهذه الأشياء لا تذكر أمام جرائم الطاغية. إذن هؤلاء من يصنعونه، وخصوصاً أفرادا وجدوا بأعداد كبيرة كلما طال عمره ومدة حكمه (شيوخ الأنظمة, وكتابه، وشعراؤه, وفلاسفته)، فيشعرون بقوتهم مستعينين بغباء الشعوب, وهؤلاء المنافقون دائماً على استعداد لخدمته. - إننا نحن من يصنع الطاغية (أى الشعوب) ولا أحد غيرنا. والطاغية لا يعرف الصداقة ولا الحرية, ولا يعرف الإخلاص, والجانب الإنسانى بالطغاة دائماً غائب. لينطلق الجانب الحيوانى من عقاله معربداً كما يريد, ليصبح الطاغية مجرد حيوان, وإذا ما مسك بزمام السلطة, وطالت مدة حكمه, ازدادت طبيعة الطغيان والاستبداد تأصلاً به.. - ما هى النفس الطاغية؟ الدولة كالفرد، والدولة التى يحكمها طاغية لا يمكن أن تكون حرة. فالطاغية بها يحمل نفساً وضيعة, ومحصولاً وافرا من الثروة, ويجنيها نتيجة إساءة التحكم فى النفس, ليصبح الطاغية أشقى الناس فنفس الطاغية فقيرة وهزيلة, ويستبد بها الرعب لأتفه الأسباب, ويعانى الآلام والأنين والشكوى, والتذمر، (فالطاغية فقير فى خواء نفسه). - "نعم من استعان بغير الله ذل" فكلما شعر بهذا الخواء لجأ إلى العالم حوله ليجد نفوس أناس آخرين يخضعهم لسلطاته, لأنه غير مكتفٍ بنفسه, فالمكتفى بنفسه لا يطغى أبداً لأنه سيشعر بالاطمئنان ولن يكون بحاجة إلى دعامة من سواه. وهذا يفسر أن من يدخل دائرة الطاغية لا يستطيع الخروج منها إلا ميتاً, فهو لن يتركه مادام تلوث معه. - فالطاغية حين تسيطر عليه دوافعه الحيوانية, فالسلطة تنمى ما لديه من مرض نفسى ليصبح أشد الناس غدراً, وحسداً, وظلماً وفجوراً, وليغوص فى أحط الرذائل، ولأنه أتعس الناس كافة فهو يفيض على شعبه بما يعانيه من بؤس وهزل وفقر نفس ومرض لا علاج له, وخبث ذو وضاعة وجدية عقل وحكمة, وكل ما به من سيئات.. ونماذج الطغاة كما قلت فى عصرنا وقبله - حدث ولا كذب - فهى كثيرة عديدة.