ما زالت قيادات جبهة الإنقاذ العلماني تراهن على تصاعد الفوضى على يد البلطجية والمرتزقة أملًا فى انقلاب الجيش على الرئيس أو عودته للحياة السياسية بصورة أو بأخرى، وعلى ذات النهج تمضي صحف رجال أعمال مبارك وفضائيات الفلول التي تعزف صباح مساء على وتر الانقلاب العسكري ضد الرئيس والإسلاميين لاعبة دور الدعاية المضللة التي تهيئ المجتمع لتقبل الانقلاب الموهوم على الشرعية الشعبية، وفي سبيل ذلك يدبجون المقالات الطوال ويستعينون بصحفيي النظام البائد، وبهيكل كبير كهنة الناصرية وزعيم سدنة الإستبداد، كما يبعثون بالتقارير الإخبارية المغلوطة للصحف الأجنبية ثم ينقلونها عن تلك الصحف والمجلات الدولية كتوقعات تدور حول قرب حدوث انقلاب عسكري وشيك على الرئيس مرسي، وعلى الدستور المصري الجديد. تتزامن تلك المحاولات المحلية الحثيثة للتمهيد للانقلاب المتوهم مع رغبة غربية صهيونية واضحة في الترويج لنفس الفكرة المنبوذة، فقد صرح وزير الخارجية الأمريكي الصهيوني الأسبق هنري كسينجر خلال المؤتمر السنوي لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في نيويورك، أن الجيش و«الإخوان» هما المستفيدان الوحيدان من ثورة يناير، وردًا على سؤال بشأن رأيه في الأزمة السياسية المصرية، قال: «مللت من تكرار الإجابة، لقد أخبرتكم من قبل أن هذه الأزمة ستأتي لا محالة، وأضاف أنه كان على الولاياتالمتحدة أن تعامل مبارك باحترام أكثر مما فعلت، فلم يكُن هناك ضرورة تدعو الإدارة الأمريكية إلى أن توجه دعوات علنية لمبارك بالرحيل من خلال شاشات التليفزيون، وأكد أنه في نهاية الأمر سيندلع الصراع بين الجيش وجماعة الإخوان ». وحينما يجتمع هيكل وكيسنجر على رأي فتلك إذن وبلا شك هي الرغبة الحقيقية للقوى الغربية لتشكيل مسار مصر الثورة، كي تظل حبيسة لأغلال التبعية ومرتهنة بالقرار الصهيوني الأمريكي في سياساتها الداخلية والخارجية، كما كانت طوال العقود الثلاث الماضية، فبعد أن راهنوا على الآليات الديمقراطية وعلى الاحزاب العلمانية المدعومة بملايين الدولارات، كي نسيطر على الساحة المصرية ثم مُنوا بفشل ذريع في كافة الاستحقاقات الديمقراطية بدءًا من استفتاء 19 مارس 2011، مرورًا بالانتخابات البرلمانية ثم الأخطر، وهي الانتخابات الرئاسية نهاية باستفتاء الدستور ديسمبر 2012 يبدو أنهم أدركوا أخيرًا استحالة استحواذ التيارات العلمانية على التأييد الشعبي الكافي للتأثير في مجريات الأحداث، فاتجهوا مرة أخرى للرهان على الوقيعة بين الجيش وبين القيادة السياسية والرئيس مرسي القائد الأعلى للقوات المسلحة. والمتأمل لتلك الدعاية الممنهجة المصحوبة بوقفات لجماعات (أنا آسف يا ريس) عند المنصة تطالب بانقلاب الجيش، يجدها فكرة وهمية أقرب للخيال الجامح منها للتحليل السياسي وأقرب للأماني الكيدية منها للرؤية الواقعية الموضوعية فهي رهان على السراب وهذا لعدة أسباب: 1-إن عجلة التاريخ لا تعود إلى الخلف!! فثورة 25 يناير هي ثورة جموع الشعب المصري وليست انقلابًا للجيش ألبسوه رداء الثورة، كما كان في انقلاب يوليو 52 وقد شاهد الجميع مدى شراسة الثورة الشعبية ضد الحكم العسكري حين أطال العسكر المرحلة الانتقالية من ستة أشهر إلى عام ونصف، وكيف استمرت المظاهرات الحاشدة الرافضة لبقاء العسكر في الحكم أو تحكمهم في المشهد السياسي ولو من وراء ستار، وبالتالي فإن فكرة عودة حكم العسكر غير واقعية، ولا قابلة للتحقيق فبعيدًا عن جمهور فضائيات الفلول من حزب الكنبة غير المستعد للتضحية في سبيل قضية زائفة لا يؤمن بها من الأساس، يبقى الشارع المصري الفعال هادرًا بالنضال لنيل المزيد من الحرية والديمقراطية لا لمزيد من قمع العسكريتاريا. 2-إن شرعية الرئيس الشعبية والدستورية ليست محل شك أو لبس مهما كان حجم الحملات الدعائية الجوبلزية لتشويهه أو التطاول عليه، فالملايين من المصريين الذين انتخبوا الرئيس إسلاميون وغير إسلاميين على استعداد للنزول الفوري إلى الشارع منعًا للانقلاب على الإرادة الشعبية وحفظًا لمسار الجمهورية المصرية الديمقراطية الوليدة، كما أن المثير للتأمل أن أهم القرارات التي رسخت من شعبية الرئيس مرسي هو قراره في 12 أغسطس 2012 بإزاحة قادة المجلس العسكري السابقين طنطاوي وعنان من على مسرح الأحداث، مما يوضح أن قرار التخلص من حكم العسكر هو قرار لم يختلف عليه اثنان من رجل الشارع العادي ومن كافة الاتجاهات السياسية، فكيف يتوقع أحدهم أن يتقبل الشارع المصري عودة العسكر بعد أن احتفل المصريون بقرارات أغسطس التاريخية؟ 3-إن الجيش المصرى كان طوال تاريخه تابعًا للشرعية الدستورية، كما أن تركيبة الجيش المصرى تمثل كافة اتجاهات المجتمع المصري الدينية والسياسية فهو قائم بالأساس على عقيدة قتالية تستهدف حماية الوطن ومقدراته من أي خطر خارجي، أما التوغل في أي صراع سياسي داخلي أو النزوع للتحكم في مقاليد السلطة ضد اتجاه سياسي معين حاز بالفعل على الشرعية الشعبية والدستورية (الاتجاه الإسلامي الآن) فهو مقامرة محكوم عليها بالفشل، إذ إن قادة الجيش لا يملكون صنع انقلاب على الشرعية، لأن الضباط والجنود سينقسمون بين مؤيدين ومعارضين فمثل هذه المقامرة تعرض الجيش نفسه لخطر التناحر الداخلي والتفكك المدمر للكيان الذي ظل على الدوام درعًا للوطن فقط بعيدًا عن الأفراد والأحزاب. وأخيرًا فإن المراهنين على الحل العسكري من قادة جبهة الإنقاذ العلمانية التي جمعت الأضداد في سبيل إسقاط المشروع الإسلامي، ورغم ذلك فشلت بوضوح في نيل الدعم الشعبي عليهم أن يحترموا عقول الشعب المصري الذي ظلوا يبشرونه بالحرية والديمقراطية ثم كفروا بها وحولوها إلى فوضى ودعوات انقلابية، وعلى الذين زايدوا على الإسلاميين واتهموهم بعقد الصفقات مع العسكر أن يتحسسوا ماء وجوههم وهم يتمرغون تحت بيادات العسكر في سبيل إفشال التجربة الإسلامية في الحكم.. حقًا أين أنتي يا حمرة الخجل ؟!! @ShahinFawzy