شهدت الجمهورية المصرية الأولى (1953-2011) ثلاث محاولات تمرد كبرى داخل المؤسسة العسكرية، كانت عاقبتهم جميعًا وبالًا على أصحابها، وانتهت بأصحابها أن فقدوا أماكنهم وفقدوا حريتهم وراء قضبان السجون، وبعضهم فقد حياته جزاء ما اقترف. المرة الأولى كان تمرد سلاح الفرسان (المدرعات حاليًا) في فبراير عام 1954، ورغم تفهمي الشخصي لأسباب الغضب إلا أنني هنا لا أتحدث عن الأسباب ولكن عن النتائج، فهذا التمرد كاد أن يتسبب وقتها في حرب أهلية، فقد أوشك الطيران أن يقصف وحدات الفرسان، وتم حصار معسكراتها من وحدات أخرى من الجيش موالية لمجلس قيادة الثورة، وانتهى التمرد بسجن معظم الضباط المتمردين وعزل البعض الباقي. ثم كان التمرد الثاني في أغسطس عام 1967 بقيادة المشير عبد الحكيم عامر - القائد العام السابق للقوات المسلحة -، ومعه شمس بدران - وزير الدفاع السابق في ذلك الوقت -، حيث حولوا بيت المشير لثكنة عسكرية واتفقوا مع عدد من وحدات الجيش على التحرك، وانتهت المحاولة بالقبض على المشير وقادة التمرد، ثم فقد المشير حياته في محبسه في ظروف غامضة وقضى بقية المتمردين سنوات من عمرهم في السجن ثم خرجوا إلى زوايا النسيان. ثم كانت المحاولة الثالثة في مؤامرة مراكز القوى في مايو عام 1971، والتي شارك فيها وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول محمد فوزي، ولولا رفض رئيس الأركان الفريق صادق للاشتراك في المؤامرة وتدخل الجيش في السياسة لكانت كارثة والبلاد تعيش في أجواء النكسة، ولكانت احتمالات اقتتال داخلي وحرب أهلية داخل قطاعات الجيش أقرب إلى التحقق، وفشلت المؤامرة وخسر الفريق أول فوزي منصبه وقضى وراء القضبان عشر سنوات، وخرج كسيرًا بعد أن عصف هذا التمرد بتاريخه وما قدمه من جهود في إعاد بناء الجيش بعد النكسة، فأساء هذا التمرد كثيرًا لهذا الجهد وهمشه تاريخيًا إلى حد كبير. ولعل فيما سبق ذكره عبرة لمن اعتبر، وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "السعيد من وعظ بغيره "، إن الشعب هو الذي يقدم أبناءه إلى الجيش، وهو الذي يقتطع من قوته وقوت بقية الأبناء، ليشتري لهذا الجيش السلاح ويقيم له المنشآت ويدفع له المرتبات، لغرض واحد هو حماية أرض هذا الوطن والدفاع عنه، وعلى هذا فإذا حاول متآمر في يوم من الأيام خيانة الأمانة التي وكلت إليه واستخدام منصبه في تسخير أبناء هذا الوطن الذي هم وديعة عنده للدفاع عن الوطن، واستخدم السلاح الذي اؤتمن عليه والذي اشتراه الشعب من لحمه الحي ليردع العدو، فمن استخدم أبناء الشعب وسلاح الشعب لقهر إرادة الشعب والتنكر للشرعية التي انتخبها الشعب فقد حق على القول، فحري به أن يفقد منصبه، وحريته، بل وحياته، وكذلك تعاقب القوانين العسكرية المتآمرين. أعلم أن الضغوط النفسية التي تواجهها بعض القيادات العسكرية الآن ضغوط شديدة، ومصادرها متعددة، أولها وسوسة النفس، فإن نفس الإنسان أعدى أعدائه، وأعلم أن نفس البعض في المؤسسة العسكرية مازالت تموج برفض فكرة أن يكون الرئيس المنتخب من خارج المؤسسة العسكرية، وأن يكون القائد الأعلى للقوات المسلحة رجل مدني كما هو موجود في كل دول العالم المتحضرة، البعض لم يهضم هذا بعد، وأعلم أن نفس البعض الآخر راغبة في إغواء السلطة، ويظنون أن الفرصة الآن سانحة، ويزيد من هذا الإغواء أن شياطين الإنس من بعض التيارات (المدنية) قررت أن تمثل (طلائع) العسكر نحو السلطة، فتزين لهم الأمر ليل نهار عبر الإعلام، وأعلم أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية تمثل إغواءً آخر بالتدخل بدعوى الإنقاذ (ولقد رأينا كيف هو مفهوم الإنقاذ عند القوم !)، كل هذه إغواءات واضحة، لكن القائد العسكري لا عذر له في أن يخون أمانته مهما كانت الإغواءات، وإلا لهانت كل خيانة، ولا عذر للقائد العسكري أن يسيء تقدير الموقف، فيفتح على نفسه ووطنه بابًا يريق فيه حياة الأبرياء من المواطنين وأبناء الجيش، وإذا كانت التمردات الثلاثة السابقة ضيعت أصحابها دون أن تمتد للشعب، فأغلب الظن أن أي تمرد جديد سيؤول إلى نفس النتيجة ويضيع أصحابه، لكن يخشى هذه المرة أن يضيع معه مستقبل مصر وأهلها وحياة الآلاف من أبنائها........فالله الله في مصر.....يا حماة مصر. [email protected]