تقول الأسطورة القديمة أن معدن الإنسان المصري الأصيل يظهر وقت الشدة ، ولكن ما لم تخبرنا عنه الأسطورة أن هذا المعدن قد يعتريه الصدأ حين يطول وقت الشدة. ينبغي أن نعترف أن المصريين يحققون نجاحات لافتة عندما يعملون بسياسة المعسكرات المغلقة، لكنهم يفشلون بشكل مفزع في الالتزام بالخطط طويلة الأجل، لأنهم ببساطة يعانون من داء النفس القصير. في حرب أكتوبر 73 وفي أيام معدودات تفوقنا على العدو الصهيوني الذي أوهمونا وقتها بأنه لايقهر،واجتزنا خط بارليف،وأبهرنا العالم بقوة وبأس وصلابة الإنسان المصري ، وخلال 40 سنة تالية تركنا لهم المجال ليتفوقوا علينا في كل شيء،بداية من صناعة الأسلحة والمعدات الثقيلة ومرورا بالبحث العلمي وبراءات الاختراعات وانتهاء بإقامة حياة ديموقراطية كاملة ، بينما اختزلنا نحن نصر أكتوبر المجيد في يوم إجازة لموظفي الحكومة وتلاميذ المدارس. حتى في مجال كرة القدم ، نجح منتخبنا في الفوز بكاس أفريقيا 3 مرات متتالية بسياسة المعسكرات المغلقة التي لا تزيد مدتها عن شهر، ولك أن تتخيل أننا خلال نفس الفترة فشلنا في الوصول لكأس العالم مرتين ، لأن ذلك يحتاج عملاً شاقاً طوال 24 شهراً على الأقل،وهذا أمر نفتقده بشدة. ثم جاءت ثورة يناير المجيدة ، واستطاع المصريون خلال 18 يوماً لا أكثر ، وبمعسكر مغلق في ميدان التحرير، أن يسقطوا نظاماً كان ينافس أباالهول في رسوخه،بكل أسلحته وجنوده ،إلا أننا طوال عامين كاملين بعد الثورة لم نتوقف عن هدم الدولة المصرية: إما بمظاهرات فئوية تنهش في جسد الدولة الميت أساساً،أو بالاكتفاء بمشاهدة محاولات مشوهة لاستنساخ الثورة لم تنتج إلا مزيداً من النزيف لجراح الدولة العميقة ، وبالطبع لا ننسى المحاولات المضنية المتبادلة لتشويه رفقاء الثورة بسبب الاختلاف في الرأي. في هذه المرحلة الانتقالية،نجحنا بالفعل في إنشاء المؤسسات الرئيسية للدولة،صار لدينا رئيس منتخب وبرلمان منتخب ودستور كتبناه بأيدينا،الاأننا في نفس الوقت لم نحقق نجاحاً يذكر في بناء شخصية مصرية تناسب المرحلة التاريخية الجديدة. طيب إذا كان ذلك كذلك ، فما الذي يمنع أن تتبنى الحكومة سياسة المعسكرات المغلقة جنبا إلى جنب مع الخطط طويلة الأجل حتى تتغير البنية النفسية للإنسان المصري ، وتزداد قدرته على الصبر والاحتمال ، معسكر مغلق للنظافة ، معسكر مغلق لاسترجاع الأمن ، معسكر مغلق لمحو الأمية ، وهكذا. أعتقد أن الرهان الآن ليس على قوة الحكومة أو قدرتها على فرض إرادتها في الشارع، هذا الأمر سوف يستغرق وقتا شئنا أم أبينا ،وإنما الرهان الحقيقي على أن يستعيد الشعب روح ثورة يناير ويستشعر الخطر على مكتسباته وينزل سريعا لحمايتها. يتحمل الحاكم جزءاً من المسؤولية عن ذلك بلا شك،إلا أن مسؤولية المحكومين أكبر،لأن السفينة حين تُخرق،ولا تجد من يسد الخرق،تغرق بأهلها جميعا لا بحاكميها فقط. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]