ينبغي ألا تمر زيارة الوفد الشعبي المصري للمملكة العربية السعودية وما خرجت به من نتائج مرور الكرام ، ذلك أنها تؤكد على عدة أمور. الأمر الأول هو الفارق الملحوظ بين تعاطي المسؤول المعين من جهة فوقية ونظيره الذي اختير بإرادة شعبية عبر انتخابات حرة ونزيهة ، الأول لا يهمه إلا رضا من قام بتعيينه لذلك فهو لا يقيم وزنا لهموم الناس ومشاكلهم ، ولا يلتفت كثيرا لصراخهم وانتقاداتهم ، أقصى ما يمكن أن يصدر عنه هو مجموعة من التصريحات الجوفاء للاستهلاك المحلي والاستعراض الإعلامي ليس أكثر ، لذلك لا تتعجب إذا سمعت رئيس وزراء معين يصرخ بأعلى صوته بأن مصر لن تركع ، ثم تفاجأ في اليوم التالي بهروب بعض المتهمين الأجانب على مرأى ومسمع من الجميع. غاية ما يسعى إليه المسؤول المعين هو رضا صاحب قرار تعيينه وحوز ثقته أملا في الحفاظ على منصبه ، في الوقت الذي يستشعر فيه المنتخب مسؤولياته السياسية تجاه من انتخبوه نظراً لأنهم أصحاب الفضل الحقيقي في تبوئه كرسي المسؤولية ، لذلك فهو يجتهد في سبيل الحصول على ثقتهم ليضمن أصواتهم في أقرب عملية انتخابية ، ليس هذا فحسب، بل يعمل أيضا على كسب ثقة من لم ينتخبوه لأنه لا يعلم حجم وقوة المنافس القادم ، وتلك إحدى الحقائق السعيدة للعملية الديموقراطية. الأمر الثاني الذي أكدت عليه هذه الزيارة التي لم تستغرق أكثر من 48 ساعة هو أن منصب الوزير في مصر لا يعدو كونه سكرتيراً لرئيس الوزارء بدرجة وزير ، فهو لا يتحرك ولا يقرر ولا ينفذ إلا بتوجيه من معالي رئيس مجلس الوزراء ، يرجع السبب الأساسي في هذا الأمر أن اختيار الوزراء في مصر عبر عقود طويلة لا يخضع لأي معيار مهني أو موضوعي ، وإنما المعيار الوحيد الذي يقاس عليه الشخص المختارهو كونه من أهل الثقة الذين يؤتمنون على السياسات العليا للحاكم والتي غالبا ما تكون على عكس تطلعات الشعب. الأمر الثالث الذي نفهمه من هذه الزيارة هو أن خدمة الناس وقضاء مصالحهم لا يحتاجان – كما تحاول الأنظمة المستبدة الترويج له – لسابق خبرة حكومية أو تاريخ سياسي عريض خصوصا إذا قرنت هذه الخبرة والتاريخ بالعمل مع الأنظمة الديكتاتورية التي لا تضيف شيئا لمن يعمل من خلالها بل في كثير من الأحيان قد تخصم من رصيده ، رأينا أن معظم الوجوه التي ضمها الوفد الشعبي ليس لها باع عريض في المعترك السياسي باستثناء رئيس مجلس الشعب الحالي الذي كان عضوا بمجلس الشعب لدورة برلمانية واحدة لا أكثر ، لا ننسى أن نفس الأمر قد تكرر بعيد الثورة حين قام وفد شعبي بزيارة مجموعة من دول حوض النيل لبحث حصة مصر بمياه نهر النيل وإصلاح ما أفسده العهد المباركي. الأمر الرابع والأخير الذي أكدته هذه الزيارة هو مدى أهمية تغيير الحكومة الحالية التي تعجز عن حل أبسط المشاكل ، ولنا أن نتخيل عدد المشاكلالتييمكن حلها بمبادرات مسؤولة ممن اختارهم الشعب ووثق فيهم ، حل هذه الأزمات لا يلزمهتمويل بقدر ما يلزمه إرادة سياسية حقيقية نفتقدها بشدة في حكومة الجنزوري. من العجيب بحق أنه وبرغم العجز الواضح للحكومة الحالية عن حل مجموعة الأزمات المتعاقبة مثل الغاز والوقود والانفلات الأمني وغيرها ، وبدلاً من أن تنشغل في البحث عن حلول جذرية لهذه الأزمات نجدها تكتفي بالتأكيد على أن مجلس الشعب المنتخب لا يستطيع أن يحل الحكومة ، مما يدفعنا لإعادة النظر في أسباب هذه الأزمات ونقلها من خانة التقصير والإهمال إلى خانة التعمد والتواطؤ وهو ما نخشاه. [email protected]