ما تشهده مصر من أحداث خطيرة.. هل هو تظاهر سلمي مشروع، أم هو بلطجة، وتخريب غير مشروع؟. هذا التظاهر، أو التخريب، هل يقوم به مواطنون عاديون بمحض إرادتهم، أم أن هناك فرقًا وجماعات مسيّسة، أو مأجورة تشعله؟. هل تعامل الشرطة مع تلك الأحداث هو ما يجب أن يكون عليه لفرض القانون وحفظ الأمن وتأمين الممتلكات العامة والخاصة، أم أن يديها مغلولة عن التصرف بحزم؟. كيف يرى الرئيس مثل هذه الأحداث، وهل هو مهتم بها، أم يتجاهلها باعتبارها من قلة ذات مآرب سياسية وفلولية، وماذا إذا استمرت وصارت روتينًا يوميًا؟ وهل يتوقع في ظل تلك الفوضى استقرارًا سياسيًا وأمنيًا يجلب معه استثمارات ويحرك عجلة الإنتاج ويعطي أملًا في الغد؟. الحقيقة أن المشهد المصري غاية في الأسف والتدهور فلا يمر يوم من دون مظاهرات صارت مقترنة بعنف متصاعد، ولم يعد دعاة وممارسو العنف المستجد على الاحتجاجات وعلى المجتمع يحتاجون إلى مناسبة للتظاهر أو اختلاق قضية للاحتجاج بشأنها لإسباغ شرعية على تحركاتهم حيث صارت القاعدة هي القتل والحرق والتخريب، وصار العنف ينتقل من مدينة لأخرى ويفاجئنا بأنه يضرب في مناطق جديدة ويتجرأ في التصويب على أهداف حيوية لتتسع دوائره، والخطير في ذلك أنه يشجع كل أعمال البلطجة المقترنة بتهديد المواطنين، وسلب ممتلكاتهم في كل أنحاء مصر، مما لا يركز عليها الإعلام حيث لم يعد هناك مكان آمن ولا مواطن آمن على نفسه وبيته وماله. لا أعتقد أن المصريين العاديين ممن يطلق عليهم "حزب الكنبة" يستيقظون من نومهم لممارسة الاحتجاج العنيف، بل هم يستيقظون للبحث عن لقمة عيش، أما أولئك الذين يفعلون ذلك فهم خليط من جماعات وتيارات سياسية اتخذت العنف سبيلًا وحيدًا في مواجهتها مع النظام الحاكم بالتوافق مع جماعات أخرى تمارس هذا العنف بالأجرة لحساب الثورة المضادة ومن يحركونها ممن فقدوا مكانتهم ومصالحهم ومن أطراف خارجية تشجع ذلك بالمال والإعلام والتحريض لإثارة قلاقل للنظام الإخواني لإسقاطه أو شله أو تعجيزه وهي أهداف مشتركة لكل معارضي هذا النظام في الداخل والخارج. عدد من يمارسون هذا التخريب لا يذكر مقارنة بشعب تعداده 90 مليون نسمة، فلو كانت احتجاجات شعبية حقيقية مقترنة بالعنف لما بقي في مصر حجر على حجر في مظاهرة واحدة لكنه عمل نفر قليل انحرف بالتظاهر السلمي المشروع وهو من مكتسبات ثورة 25 يناير إلى طريق الدم والنار ووفر غطاءً لدخول عناصر مستأجرة لإشاعة الفوضى وممارسة العنف للانتقام من ثورة يناير وتصفية حسابات مع الفصيل الحاكم. الشرطة في وضع يثير التعاطف فهي إذا تعاملت برفق تتهم بأنها غير قادرة على مواجهة التخريب أو متواطئة، وإذا واجهت المخربين تتهم بأنها مازالت على عقيدتها الأمنية القمعية القديمة، ويصعب على الشرطة أن تعمل في ظل الظروف السياسية الحالية فطالما أن الأفق السياسي محتقن ومسدود فالشرطة لن تستطيع أن تفعل شيئًا وستتعرض لظلم بين إذا سكتت أو تحركت. رغم أن المظاهرات وأعمال البلطجة والتخريب لا تعكس رأيًا شعبيًا عامًا ولا اتجاهًا من المصريين مثلما أن المعارضة بكل أطيافها لا تمثل الشعب فإن هذا النفر المحدود وبأفعاله ينجح في شل البلاد وإصابة النظام بالارتباك والعجز وتخويف الخارج من خطورة الأوضاع وضرب السياحة ومنع قدوم الاستثمارات، أي يسقط البلد خطوة خطوة في الهاوية التي لا قيامة منها إلا بمعجزة. وهذا يخصم من رصيد الرئيس وجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة حيث يظهرهم كمن يقودون مصر إلى كوارث محتمة بسلوك سياسي غير راشد في الإدارة وأنهم غير قادرين على الحكم ويفتقدون الخبرة والتعقل في القرارات وهذا يعني دخول البلاد في نفق بلا نهاية من الفوضى والخراب. وللأسف فإن الرئيس مرسي يساعد العابثين في تنفيذ خططهم من خلال الأخطاء في الحكم وإدارة البلاد مما جعل يديه مرتعشة عن مواجهة الجماعات المتدثرة بغطاء الثورة. لقد بلغ الضعف بالرئيس المنتخب أنه غير قادر على حسم المواجهة مع البلطجية حسب وصفه لهم، بل يتركهم يعيثون فسادًا وينشرون الخراب ويرتهنون وطنًا من 90 مليون لأفعالهم الإجرامية. إذا كان الرئيس يفرط في حقه الشخصي ويتسامح مع شاتميه حتى زالت هيبته وهيبة الرئاسة، فهو حر في نفسه، لكنه ليس حرًا في أن يظل الشعب رهينة للفوضى، لا يجب أن يجاملهم على حسابنا، ولا يجب أن ينافقهم أكثر من ذلك لأنهم لن يرضوا عنه مهما أظهر من سعة صدر فهم يتعاملون معه من منطلق الرفض المطلق وهم لم يعودوا يعتبرون بكون الشعب سيسخط عليهم وينبذهم لأنهم صاروا يعلمون أنه لا نصيب لهم في انتخابات ولا سلطة بالاختيار الشعبي فيفعلون بفجر ما يفعلون. نحن المصريين الذين نريد أن نحيا ويحيا الوطن ويخرج من عثرته نطالب الرئيس - إذا كان رئيسًا - بالتعامل بحزم وفق القانون تجاه كل المهددات، وإلا فإنه يفقد كل من تعاطف معه يومًا، وعندئذ سيقال فليرحل ويترك أمانة المسئوولية لمن يستطيع تحملها ويحفظ مصر والمصريين. [email protected]