يحتل الأمن مكانًا بارزًا بين المهتمين والمسؤولين والمواطنين في المجتمع المعاصر، لاتصاله بالحياة اليومية بما يوفره من طمأنينة النفوس وسلامة التصرف والتعامل. كما يعتبر الأمن نعمة من نعم الله عز وجل التي منَّ بها على عباده المؤمنين، فقد قال تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (قريش 3و4. وقال النبى صلى الله عليه وسلم "من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا"رواه الترمذى. ولقد ترددت كلمة الأمن كثيرًا خلال الفترة الماضية في جميع أنحاء العالم منذ أن انتشر الإرهاب وأعمال العنف عند الدول. والأمن بمعناه التقليدي هو أحد أنواع الأمن وليس كلها، فقد بدأنا نسمع كثيرًا عن أنوع الأمن مثل: الأمن النفسي (ارتباط وثيق بالشعور والإحساس)، والأمن الغذائي (توافر الغذاء وعلاقته بقضية تحقق الأمن)، الأمن الاجتماعي (توفر الطمأنينة والرفاهية والتغلب على المرض والجهل والاعتداء على النفس)، الأمن الثقافي والفكري (عدم وجود أي عوامل خارجية وغزو فكري)، الأمن الاقتصادي (ثبات في الدخل واستقرار مادي)، الأمن المائي (توفر المياه).. وهكذا. والشائع أن الأمن هو (الشعور بالسلامة والاطمئنان للفرد والمجتمع وتحقيق مصالح الخلق ومتطلباتهم بحفظ الضرورات الخمس عبر وسائل الشرع). من ذلك يتبيّن أن حقيقة الأمن هو طمأنينة النفس وسكينة القلب وزوال الخوف وبالتالي يصبح للأمن مفهوم شمولي متكامل يحيط بكل جوانب الأمن المختلفة وصوره المتعددة بما يحققه الحفاظ على مصالح كل الناس التي يخافون عليها، ويحرصون على حفظها ورعايتها، بجلب النفع وتحقيقه، ودفع الضر وإزالته. والأمن مسئولية الجميع، لقوله تعالى: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) "المائدة 23" ، وهو ما يعني توحيد الأمة في مقاومة العدوان على فرد واحد، فضلًا عن العدوان على الجماعة. وعلى ضوء أن الأمن مسئولية الجميع يمكن أن نتفهم الخبر الذى نشرته جريدة المصريون يوم 28 فبراير من أن عددًا من أهالى منطقة شبرا قاموا بالإشتباك مع متظاهرين قاموا بقطع الطرق والدعوة لعصيان مدني ضد الرئيس محمد مرسي، وقام الأهالي بطرد المتظاهرين بالقوة معلنين رفضهم لقطع الطرق وتعطيل مصالح المواطنين, مؤكدين أن استخدام هذه الطرق للمعارضة تضر بالمواطنين ومصالحهم وليس بالرئيس محمد مرسي, مؤكدين أنهم لن يسمحوا لأي فئة بفرض البلطجة عليهم وحصارهم بهذه الطرق التى اعتبروها بلطجة. وهكذا فقد بدأ الشعب يدرك أن تحقيق الأمن ليس مسؤولية الدولة وحدها، وإنما مسؤولية الشعب بأسره. إن ميدان التحرير الذى أصبح من أشهر الميادين في العالم حيث تفجرت منه الثورة الشعبية العارمة في مصر في 25 يناير 2011 قد أصبح الآن تحت سيطرة البلطجية، ترتكب فيه العديد من الجرائم مثل الدعارة وقطع الطرق وتجارة السلاح المخدرات (أهرام 28 فبراير)، وتعطيل المصالح وإغلاق مجمع المصالح بالميدان، ويبدو أن الحكومة قد اتخذت سياسة قوامها أن درء المفسدة مُقدم على جلب المصلحة. أما المصلحة فهي مقاومة البلطجية بالقوة اللازمة الرادعة، وأما المفسدة فهي ما قد ينتج عن ذلك من قتل أو إصابة متظاهرين، وحينئذ ستهيج جبهات ونوادي الفشل والخراب التي تقود الثورة المضادة وتأبى إلا أن تُعيد مصر إلى عهد مبارك الظلامي الأسود، وتصيح بأن الدولة (رئيس الدولة ووزارة الداخلية ) تقتل الثوار وليس مستغربًا أننا لم نسمع من هؤلاء إدانة للبلطجة أو تأييدهم للدولة إذا ما واجهتهم بالقوة اللازمة. أما وقد اختلط الحابل بالنابل، واختلطت البلطجة والدعارة بالثوار، فالمسؤولية إذن تقع على الثوار أنفسهم، فهم الذين يتعين عليهم مقاومة المجرمين وتنقية أنفسهم منهم... بصراحة، إذا كان استنتاجي صحيحًا في أن سياسة الحكومة في هذا الشأن هي"درء المفسدة مُقدم على جلب المصلحة"، فأنا أؤيد هذه السياسة، ولابد للشعب أن يدافع بنفسه عن ثورته التي أقامها بنفسه وعن مصالحه، وأن يستعيد بنفسه أمنه المفقود. إن للمواطن دورًا مهمًا في تحقيق الأمن، ومحاربة الفساد والجريمة، وهذا من أولوياته ومسؤولياته فقد قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ....الآية} 110 (آل عمران)، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضف الإيمان». وعليه يتضح أن محاربة الفساد من الأمور التي يجب أن يلتزم بها المسلم وتخليه عن هذا الأمر ينتج عنه مفاسد عظيمة على النحو الذى نراه فى مصر الآن. يقول السعدي في تفسيره لهذه الآية: يمدح تعالى هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، المتضمن دعوة الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم، فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس. (ملاحظة: خذوا بالكم من عبارة: دعوة الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم) وقال البيضاوي: يؤخذ من الآية أيضًا فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنهما أساس خيرية الأمة وأفضليتها على غيرها ومناط رفعتها، فإذا تخلت عنهما زال عنها هذا الوصف. يقول القرطبي: قوله تعالى: [تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ] مدح لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به. فإذا تركوا التغيير وتواطؤوا على المنكر، زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم، وكان ذلك سببًا لهلاكهم. (ملاحظة: خذوا بالكم من عبارة: فإذا تركوا التغيير وتواطؤوا على المنكر، زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم، وكان ذلك سببًا لهلاكهم.) إن الدعوة إلى العصيان المدني وتعطيل المصالح هي حيلة العاجز، وعلى الشعب الشريف إذن أن يقوم بدوره في دفاعه الشرعي عن وطنه وعن أمنه واستقراره، وألا يلقي بالمسؤولية على الدولة وحدها، ذلك أن حماية الوطن لا تقع على عاتق أجهزة الأمن أو مؤسسة واحدة، بل تحصل بتعاون المؤسسات مع المواطنين، مع الشعب الذي يبني الوطن والذي يحميه ويدافع عنه ويرد عنه المكائد والمؤامرات وشرور الأعداء، أعداء الثورة وأعداء الوطن. adel.afify @gmail.com