تتردد فى شوارع القاهرة، خاصة فى ميدان التحرير وحول قصر الاتحادية هذه الأيام، عدد من الشعارات التى يرفعها المحتجون أو من يطلقون على أنفسهم "ثوار"، وبالتأكيد فإن أية شعارات يتم إطلاقها تعبر عن مكنون وقناعات ورؤية من ينادون بها أو يرفعونها، ومن أمثلة تلك الشعارات: "لو عبدالناصر عايش، كان لبسهم الغوايش"، "عبدالناصر قالها زمان، الإخوان ما لهمش أمان". إن هتافات مثل تلك الهتافات تعبر عن إستراتيجية من يهتف بها ويرفعها وليس فقط انتماؤه السياسى، وأيضاً تدلنا بما لا يدع مجالاً للشك على الأسلوب الأمثل – وفق رؤيتهم – للتعامل مع من يخالفهم فى الرأى أو فى الاتجاه السياسى حتى لو كانت غالبية الشعب تؤيده، فلا عبرة لكل ذلك فى نظرهم، بل العبرة بما يرونه هم صحيحًا، أو ما يرونه هم يصب فى مصلحة الوطن، كما يدعون. ما الفارق إذاً بينهم وبين مبارك ونظامه؟ اتفق جميع النشطاء والنخب والمحللين السياسيين على أن تقييم تجربة اليسار المصرى حين تحمل مسئولية البلاد فى عهد عبدالناصر، كانت تحمل عدداً من الإيجابيات التى نفذها الشعب المصرى وكذا السلبيات التى من أهمها الممارسات القمعية والباطشة التى اتبعها عبدالناصر، ليس فقط مع الإخوان المسلمين، بل مع الشعب المصرى بكامله حتى خرجت شعارات أخرى مثل: "الشعب المصرى صفارة تجمعهم، وعصاية تفرقهم"، وأمثال مثل: "إن رحت بلد تعبد العجل، حش وارمى له"، فهل هذا ما أردناه لبلادنا بقيام ثورة 25 يناير العظيمة؟!! وهل أردنا أن نزيل نظام مبارك لنعيد للبلاد النسخة الأسوأ منه؟ أيها السادة.. إن البلاد التى ثارت على حكم مبارك وعصابته لم تثر إلا على مدرسة الحكم التى خرجت من رحم التجربة الناصرية، ولكنها أقل دموية منها، ولعل هذا هو السبب فى أننا نرى هذا التحالف بين اليسار المصرى بكل طوائفه وبين رموز النظام السابق، لأنهم ببساطة وجهان لعملة واحدة. مشروع شعب وليس مشروع شخص إن عدداً ممن يلومون على الدكتور محمد مرسى على إمهاله و"طولة باله" وحلمه على ما يحدث، لم يعلموا أن النظام الجديد الذى يتأسس ويولد هو نظام يعيد تمليك الدولة بكل إمكاناتها إلى الشعب المصرى، وينتزعها - أى الدولة المصرية - من مشروع الشخص أو الديكتاتور، وبالطبع عبيد هذا الديكتاتور أو المنتفعين من حوله وأكلة فتات موائده. قلب نظام الحكم إن تلك الاحتجاجات لم تقف فى الأيام الأخيرة عند حد الشعارات أو السلمية، بل تعدتها إلى فرض الرأى بالقوة على المجتمع وخيارات الشعب وسلمه وأمنه الاجتماعى. إن ممارسات مثل البلطجة المنظمة والإرهاب العام للشعب والمترددين على المصالح الحكومية والتعدى على الموظفين العموميين ليس نشاطاً سياسياً ولا تعبيراً احتجاجيًا، بل هى "أنشطة إجرامية"، بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ قانونية تستوجب العقاب والتشهير. ولن أخفى رأيى - الذى سبق أن أعلنته فى كتابات سابقة بل وسأردده - من أن تلك الممارسات حينما يتم تنفيذها بمثل ما يحدث هذه الأيام من تنظيم ومنهجية وتدريب يظهر فى فيديوهات على الإنترنت، إضافة إلى الدعم المادى السخى (من الداخل والخارج) والاحتضان الإعلامى لها، كل ذلك إنما يمثل جريمة تصل إلى قلب نظام الحكم فى البلاد، وعلى كل المخلصين فى كافة المواقع أن يتعاملوا معها وفقاً لهذا التكييف، وألا ينسى الجميع أن حرية الفرد تنتهى حينما تبدأ حرية المجموع. فهل وعينا تلك الشعارات، ومن يقف وراءها وماذا يريد بالبلاد؟ [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]