أعتقد أن كثيرًا من المصريين يرحبون بمواقف الجماعة الإسلامية وحزب البناء والتنمية، فالملاحظ أن الجماعة والحزب فى فترة ما بعد ثورة 25 يناير يعبران عن رؤية وطنية جامعة، ولا ينطلقان من موقف حزبى ضيق، ويقدمان المصلحة العليا للبلاد فوق أى اعتبار، ولم ينساقا إلى خطابات التهييج والتحريض التى يجيدها البعض. لا ينسى المصريون للجماعة الإسلامية وحزب البناء والتنمية موقفهما التاريخي، فى بداية تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور، ففى الوقت الذى كانت جميع القوى السياسية تتكالب على التمثيل بأكبر عدد من المقاعد، تنازل البناء والتنمية عن المقعدين المخصصين له، وهو ما أدى إلى إنجاح تشكيل اللجنة التى بدأت عملها وأنهته ووضعت الدستور. وهكذا فإن الجماعة الإسلامية وحزبها ينطلقان من إعلاء الموقف الوطنى فوق أى اعتبار، وتقديم المصلحة العليا للبلاد على أية مصلحة حزبية أو شخصية، فى الوقت الذى تنطلق فيه مواقف كثير من الأحزاب والقوى السياسية من المصلحة الذاتية والحزبية الضيقة والتضحية بمصلحة مصر والمصريين جميعًا، ويسعى القوم وراء مصالحهم الشخصية ووصولهم للحكم حتى لو تم من أجل ذلك إحراق مصر، وحتى لو وفرت مواقفهم السياسية الغطاء السياسى لممارسة العنف والقتل وإحراق المؤسسات. لذلك فإن دعوة الجماعة الإسلامية وحزب البناء والتنمية إلى مليونية نبذ العنف اليوم الجمعة، إنما هى دعوة وطنية فى توقيت تتصاعد فيه دعاوى القتل والعنف وإسقاط الدولة، وعليه فيجب على مختلف القوى السياسية أن تشارك فى هذه المليونية إن كانت فعلًا تسعى إلى إدانة العنف وسحب البساط من تحت أقدام الداعين إليه والمحرضين عليه. الجماعة الإسلامية تريد من هذه المليونية أن تقول: "لا للعنف، لا لقطع الطريق، لا لتعطيل المترو، لا للبلطجية، لا للأقنعة السوداء، معًا وسويًا لنقول نعم للتظاهر السلمى لتطبيق القانون بحزم، نعم للبناء، نعم للتغيير عن طريق الانتخابات". فمن كان يؤمن بذلك فليسارع بالمشاركة فى هذه المليونية. لأن هذه المبادئ العامة تلخيص لمطالب الشعب المصرى الحقيقية، الذى لا يريد العنف، والذى يشجب البلطجة، والذى يرفض الأقنعة السوداء.. يرفضها لأنه شعب واضح ونقى ولا يحب التخفى وراء المصالح الضيقة والأغراض الخبيثة. الجماعة الإسلامية وحزبها يريدان من المليونية التأكيد على مطالب طبقات وفئات الشعب المصرى وعلى رأسها: "التزام كافة القوى السياسية والشبابية والثورية باستكمال أهداف الثورة من خلال الوسائل السلمية، واحترام اختيارات الشعب المصرى وعدم القفز عليها، والالتزام بالتغيير عن طريق الصناديق الانتخابية". إن أعظم ما ميّز ثورة 25 يناير العظيمة أنها كانت ثورة سلمية، سقط فيها شهداء سلميون عزل من كل شيء إلا الإيمان بحقهم فى تقرير وصنع مستقبل أفضل لبلدهم، ورغبتهم فى إسقاط نظام الفساد والاستبداد، وهكذا فإن الثوار المصريين الحقيقيين يجب أن يشاركوا فى تلك المليونية التى تريد أن تعيد الوجه السلمى لثورة 25 يناير مرة أخرى. وإذا كان هناك من يتلاعب الشيطان برءوسهم ويحرضهم على إسقاط الرئيس المنتخب وكذلك إسقاط مؤسسات الدولة، فإن الغالبية العظمى للشعب المصرى ترفض ذلك، والثوار الحقيقيين يرفضون ذلك، وقد ترجمت الجماعة الإسلامية وحزبها ذلك فى تضمينه ضمن أهداف مليونيتها القادمة. ورغم أن الجماعة الإسلامية وحزب البناء والتنمية من الأبناء المخلصين للحركة الإسلامية، إلا إنهما وبكل شجاعة جعلا من أهداف مليونيتهما القادمة إصدار قرارات رئاسية فورية لدعم الفقراء لتحقيق العدالة الاجتماعية وتحديد الحد الأعلى للأجور والالتزام الفورى بحد أدنى للأجور يضمن حياة كريمة للمواطن المصرى ويرفع الظلم عن المظلومين. ومعنى هذا أن هؤلاء الإخوة الكرام ينطلقون من موقف متوازن، فهم يدعمون الشرعية والرئيس المنتخب، لكن فى نفس الوقت يأخذون على الرئاسة تأخرها فى إصدار قرارات معينة وفى تبنى ملفات معينة أهمها ملف العدالة الاجتماعية، الذى لو تبناه الرئيس بقوة وأصدر فيه قرارات مؤثرة لسحب البساط من تحت أقدام المعارضة الفاسدة، ولكسب تأييد قطاعات الشعب المصري. ومن يعتنق نفس الفكر عليه أن يدعم موقف الجماعة الإسلامية وأن يشارك فى مليونيتها. وضمن مطالب المليونية المذكورة، الالتزام بعدم التدخل فى شئون القضاء أو انغماس القضاة فى السياسة، وإنشاء إدارة فى وزارة الداخلية لمكافحة البلطجة وإصدار قانون بتجريم البلطجة وتشديد عقوباتها، وإفساح المجال أمام شباب الثورة للمشاركة فى صياغة مستقبل الوطن، ومشاركة جميع المصريين فى بناء الوطن دون إقصاء وتقديم الكفاءات المصرية فى كافة المجالات والمواقع بعيدا عن الانتماءات الحزبية، وتحقيق المصالحة الوطنية من خلال حوار جاد حول كافة قضايا الوطن دون شروط مسبقة. هذا الاعتدال والتوازن فى الطرح، وهذه الوطنية فى تبنى القضايا أمر يستحق الإشادة والتنويه والدعم، والدعم هنا متعدد الأشكال والمستويات، لكننا نعتقد أن أفضل وسيلة للدعم هى المشاركة فى المليونية القادمة يوم الجمعة أمام جامعة القاهرة من أجل شيوع وتبنى هذه الأهداف العظيمة، ومن أجل كشف الاتجاهات التى تدعو علنًا أو سرًا إلى العنف، ومن أجل كشف الستر عمن يوفرون الغطاء السياسى لممارسة العنف الذى يرفضه المصريون ويصممون على الوقوف ضده مثلما يصممون على تحقيق أهداف ثورة 25 يناير.