تشهد القاهرة الجمعة مليونية جديدة مختلفة هذه المرة، لأنها المليونية الأولى منذ عدة أسابيع صاخبة يقوم بها إسلاميون، كما أنها المليونية الأولى التى ينفرد بها فصيل إسلامى وهو الجماعة الإسلامية وذراعها السياسية حزب البناء والتنمية، ولذلك فهذه المليونية سيكون لها أكثر من دلالة سياسية، فهى تمثل أول اختبار شعبى جدى للجماعة الإسلامية وقدرتها على التنظيم والحشد فى العاصمة، وأعتقد أن هذا سيكون تحت المنظار وتحت الاختبار من قوى كثيرة، أيضًا الشعارات والهتافات التى ستصبغ المليونية الجديدة سيكون لها دلالتها السياسية أيضًا على الخيار السياسى الجديد للجماعة، وكانت أحزاب إسلامية عديدة قد امتنعت عن المشاركة فى تلك المليونية، ربما لأسباب تتعلق بالقلق من مشاركة الإسلاميين فى توتير الشارع أو وقوع مشاحنات أو اشتباكات مع تجمعات لقوى المعارضة، كما قرر حزب الحرية والعدالة أن يساهم بشكل رمزى فى المليونية، وأغلب الظن بحضور بعض رموزه المعروفة إعلاميًا، ولذلك حرصت الجماعة الإسلامية على أن تكون مليونيتها فى منطقة جامعة القاهرة بعيدًا عن المناطق التقليدية لاحتشاد المحتجين ضد الرئيس مرسى لمنع أى احتكاك، كما أن الجماعة حرصت على التأكيد على سلمية تظاهرتها أكثر من مرة، وهى جادة بالفعل فى ذلك، كما أن حزب البناء والتنمية يدرك أنه أمام دور جديد يقترب، ربما كان أهم من دوره الاحتجاجى على بعض ممارسات المعارضة، وهو دور الوسيط الفاعل الإيجابى وصاحب المبادرات السياسية التى تحاول أن تفك عقدة الاشتباك السياسى الحالى، وتفتح آفاقاً للشراكة الوطنية، وهذا الدور هو ما يحتاجه الآن الرئيس مرسى كما تحتاجه أيضًا المعارضة وخاصة جبهة الإنقاذ، بمعنى آخر، فإن الأزمة الحالية تحتاج إلى القوى التى تكون جزءًا من الحل وليست جزءًا من المشكلة ذاتها، فلن يفيد كثيرًا الاصطفاف إلى هذا الجانب أو ذاك، بقدر ما يفيد أن تتقدم مبادرات وأفكار عملية ومتوازنة وقابلة للتنفيذ، وأتصور أن هذا المعنى أصبح حاضرًا بقوة فى الخطاب السياسى للجماعة الإسلامية، ولذلك حرصت على أن تؤكد أن مليونيتها الجديدة ليست موجهة ضد جهة أو أحد، وإنما هى تأكيد على مطلب احترام سلمية الثورة المصرية وإدانة العنف وأى أعمال تخريب تشوه وجه الثورة وتسيء إليها، والخطاب السياسى الأخير لقيادات الحركة مثل الدكتور طارق الزمر والدكتور عصام دربالة كان عقلانيًا وأكثر قربًا من روح التوافق السياسى والرغبة فى احتواء دوامات الغضب والتوتر. أتمنى التوفيق للجماعة الإسلامية فى إنجاز مليونيتها بصورة مشرفة لها وللثورة المصرية، وإن كانت قناعتى السابقة والحالية ضد فكرة المليونيات الإسلامية هذه الأيام تحديدًا، إلا أن ساحة الاجتهاد السياسى مفتوحة، والاختلاف فى تقدير الحسابات السياسية طبيعى، والمهم أن تكون هناك بوصلة واضحة وحاضرة دائمًا فى أى جهد أو اجتهاد سياسى الآن، وهو البحث عن مخرج للانسداد الذى وصلنا إليه ويهدد مسيرة الثورة كما يهدد كيان الدولة المصرية ذاتها.