لبيان مدى حميمية وعمق العلاقة التى تربط بين الجد وحفيده أو الجدة وحفيدتها والعكس صحيح، قالوا قديمًا: "أعز الولد ولد الولد".. حيث تُبنى هذه العلاقة القوية على أساس الحب والحنان والتدليل الزائد والاستجابة لكل رغبات ومطالب الأحفاد بغض النظر عن كونها جائزة أو غير جائزة، لها نتائج سلبية وضارة أم لا؟!، وذلك بعيدًا عن قائمة الأوامر والنواهى التى يضعها الأب والأم كقواعد ضابطة وصارمة لتربية الأبناء تربية سليمة لا اعوجاج ولا تهاون فيها حتى يغرسا فيهم منذ نعومة أظافرهم تحمل المسئولية، والاعتماد على النفس، والصبر على الرغبات، وعدم تعجل تنفيذها، وغير ذلك من صفات وقيم تشكل اللبنة الأولى وحجر الأساس لبناء شخص سوى الخُلُق وحميد الطبع فى المستقبل.. فالأجداد يعتبرون الأحفاد امتدادًا طبيعيًا لهم، ولذلك ينتظرونهم بلهفة وشغف ليغمروهم بالحب والعطف والرعاية المفرطة وتلبية مطالبهم، كيفما ووقتما شاءوا، نتيجة لشدة ارتباطهم بهم وليس بقصد الإفساد.. حيث يأذنون لهم بأمور يرفضها والداهم لخطورتها الشديدة على صحتهم وسلوكهم، ومنها على سبيل المثال: السماح لهم بشرب وأكل ما يشتهون من أطعمة وحلوى ومياه غازية، أو منحهم ما يريدون من نقود وإعطاؤهم هدايا كثيرة، أو الخضوع لرغبتهم فى مشاهدة بعض المواد التى يعرضها التلفاز، والتى لا تتناسب وصغر سنهم... إلخ!.. ولأن ضغوطًا أو أعباءً لا يتحملها الأجداد والجدات بحكم كبر سنهم وانتهاء أداء رسالتهم فى الحياة سواء من الناحية الاجتماعية أو العملية، يتعاملون مع الأحفاد الذين يقتلون عزلتهم ويشعرونهم بأهميتهم بهدوء وروية وسكينة وفيض من المشاعر يطرب إليه الأحفاد الذين يستمتعون أيضًا بالاستماع إلى قصصهم التراثية وحواديتهم الشيقة والمثيرة التى تعلمهم كثيرًا من المبادئ والقيم مثل الثقة بالنفس وتقدير الذات وتوقير الكبير والعطف على الصغير ومساعدة المحتاج، كما تثرى عقولهم بكثير من المعلومات المهمة النافعة، وذلك بخلاف الآباء والأمهات الواقعين معظم الوقت فى أسر كثير من الضغوط النفسية والاقتصادية والاجتماعية التى تجعل وقتهم ضيقًا، وحالتهم النفسية والمزاجية مضطربة فى كثير من الأحيان، بحيث لا تسمح إلا بقليل من الحب والحنان والرعاية تجاه الأبناء، كما تدفعهم إلى التعامل معهم بشدة وحزم وعدم خضوع لتنفيذ العديد من رغباتهم، الأمر الذى يتسبب فى حدوث كثير من المشكلات والخلافات بين الأجداد وأبنائهم الذين يحملونهم مسؤولية إفساد الأحفاد وتمردهم عليهم ورفض أسلوب تربيتهم لهم!.. تلك المشكلات التى تصل أحيانًا فى بعض العائلات إلى حدوث قطيعة بين الأجداد والأحفاد سواء بمنع الأطفال بشكل مباشر من زيارة أجدادهم خوفًا عليهم أو بكثرة تشاجر الآباء والأمهات مع الأجداد وعدم تقدير دورهم الفعال فى حياة فلذات الأكباد الذين تمنحهم علاقتهم بأجدادهم وجداتهم كثيرًا من المكاسب الإيجابية طويلة المفعول وممتدة الأثر فى جميع مراحل حياتهم، ما يستوجب ضرورة التفات كل أب وكل أم إلى خطورة سوء تقدير دور الأجداد الكبير تجاه أحفادهم، خاصة مع صعوبة ظروف الحياة فى هذا الزمان وكثرة الضغوط التى تثقل كاهلهم والتى تعيقهم عن التواصل مع أبنائهم بشكل جيد. فمن الضرورى والمهم أن يفتح الآباء والأمهات باب الحوار مع الأجداد بصدق وصراحة فى كل ما يتعلق بالأحفاد خاصة إذا كانوا مقيمين معهم أو يزورونهم باستمرار كأن يخبرونهم ببعض العادات والثوابت والأساليب التى تربى عليها الأحفاد خصوصًا المتعلقة بالأكل والشرب واللعب، والتى يرغبون فى الحفاظ عليها حتى لا يكون هناك تناقض، بسبب اختلاف الأساليب فيحدث اللبس واللغط والتشتت الذى من الممكن أن يهدم كل شيء!!.. وإذا استمر الأجداد بعد هذا التوضيح فى تدليل الأحفاد فيجب التعايش مع ذلك، لأن الأطفال مع مرور الوقت سيعرفون الفرق بين بيتهم الأصلى وبيت أجدادهم، فلا بأس من وجود هذين العالمين فى حياتهم، فمن غير المقبول والمعقول أن يكون الأطفال طرفًا فى الخلافات بين الآباء والأجداد، ولهذا ينبغى التحلى بالحكمة والصبر على معالجة هذا الأمر، إضافة إلى قليل من التنازل وحسن التواصل مع الأجداد، لعل ذلك يمنع حدوث مشكلات كثيرة يمكن على أثرها تشتت أواصر العائلة، وفقد الأطفال ركنًا أصيلًا ومنبعًا متدفقًا لا غنى عنه فى حياتهم، ذلك المنبع الذى يمدهم بالحب والحنان ويشعرهم بالطمأنينة والأمان، ويعمق لديهم الثقة بالنفس والشعور بالذات، فضلًا عن الدفء العاطفى والمشاركة الوجدانية التى تجعل الحياة أفضل وأجمل. [email protected]