اهتم الإخوان المسلمون اهتماماً كبيراً بالقضية الفلسطينية، ولعبوا دوراً كبيراً في دعم هذه القضية بكافة الوسائل والأساليب ابتداء من التوعية والدعاية وانتهاء بالقتال الفعلي على أرض فلسطين. وقد جاء هذا الدور نتيجة رؤيتهم للقضية الفلسطنية والتى تمثات فى عدة عوامل: أولا: المنطلقات الفكرية والسياسية للإخوان المسلمين: ويأتي على رأس هذه المنطلقات، الذي يمثل أحد ثوابت الجماعة مفهوم الوطن أو الأمة عند الإخوان فقد رفض الإخوان المفهوم الضيق للوطنية، والذي يحصرها في نطاق التخوم الأرضية والحدود الوطنية، حيث اعتبر الإخوان أن حدود الوطنية العقيدة وليست الحدود الجغرافية، وقد أكد على هذا المعنى مراراً الشيخ حسن البنا في رسائله ومقالاته " أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية، فكل بقعة فيها مسلم يقول لا اله إلا الله محمد رسول الله وطن عندنا له حرمته وقداسته وحبه والإخلاص له والجهاد في سبيل خيره، كل المسلمين عندنا في هذه الأقطار الجغرافية أهلنا وإخواننا نهتم لهم ونشعر بشعورهم ونحس بإحساسهم". وإذا كان حسن البنا قد رفض فكرة الوطنية بالمفهوم الضيق الذي يحصرها داخل حدود التخوم الجغرافية إلا أنه أكد على المعاني الإيجابية للوطنية كحب الوطن والعمل على تحريره واستقلاله، وتقوية الروابط بين أفراد الوطن. ويوضح حسن البنا موقف الإخوان من الوحدة القومية والوحدة العربية والوحدة الإسلامية، ويرد على الذين يوجهون الانتقادات للإخوان معتبرين تمسكهم بالفكرة الإسلامية مانعاً لهم من الإخلاص للناحية الوطنية فيذكر أن الإسلام قد فرض على كل إنسان أن يعمل لخير بلده، وأن يتفانى في خدمته، وأن يخدم الوطن الذي نشأ فيه وأن المسلم أعمق الناس وطنية وأعظمهم نفعاً لمواطنيه، وأن الإخوان المسلمين أشد الناس حرصاً على خير وطنهم "فالمصرية أو القومية لها في دعوتنا مكانها ومنزلتها وحقها في الكفاح والنضال، أننا مصريون بهذه البقعة الكريمة من عليها.... وكيف يقال إن الإيمان بالمصرية لا يتفق مع ما يجب أن يدعو إليه رجل ينادي بالإسلام ويهتف بالإسلام، إننا نعتز بأننا مخلصون لهذا الوطن الحبيب عاملون له مجاهدون في سبيل خيره... إننا حين نعمل لمصر نعمل للعروبة والشرق والإسلام" فحسن البنا يعتبر انتماء الإنسان لوطنه الذي نشأ فيه والإخلاص له الحلقة الأولى في سلسلة النهضة المنشودة، ثم ينتقل للحلقة الثانية وهي الوحدة العربية فيذكر أن الإسلام نشأ عربياً ووصل إلى الأمم عن طريق العرب وإن القرآن نزل بلسان عربيي مبين، وأنه كما جاء في الأثر "إنه إذا ذل العرب ذل الإسلام"، وان هذا المعنى قد أكدته أحداث التاريخ وأن العرب هم، "عصبة الإسلام وحرسه". ويرى أن وحدة العرب أمر لابد منه لإعادة مجد الإسلام "ومن هنا وجب على كل مسلم أن يعمل لإحياء الوحدة العربية وتأييدها ومناصرتها وهذا هو موقف الإخوان المسلمين من الوحدة العربية" ثم ينتقل حسن البنا إلى الحلقة الثالثة فيؤكد على أن الإسلام "يعتبر المسلمين جميعاً أمة واحدة، ويعتبر الوطن الإسلامي وطناً واحداً" فالانتماء السياسي لدى الإخوان يقوم على ثلاثة حلقات الحلقة الأولى الانتماء الوطني الإقليمي، ثم الحلقة الثانية الانتماء للوحدة العربية، ثم الحلقة الثالثة الانتماء للوحدة الإسلامية، ويوضح حسن البنا حدود الوطن في نظر الإخوان فيقسم الوطن إلى الوطن الصغير والكبير والأكبر، ويقصد بالوطن الصغير وادي النيل بشماله وجنوبه وأنه يعتبر مصر هي السودان الشمالي والسودان هي مصر الجنوبية. أما الوطن الكبير فيقصد به حسن البنا الوطن العربي ويحدده بأنه من الخليج الفارسي إلى المحيط الأطلسي، أما الوطن الأكبر فهو الوطن الإسلامي أو من جاكرتا على المحيط الهادي إلى رباط الفتح على المحيط الأطلسي" بل نجد حسن البنا لا يقف عند حدود هذه الحلقات الثلاثة بل يذهب إلى أن الإخوان "ينادون بالوحدة العالمية هذا هو مرمى الإسلام وهدفه ومعنى قول الله تبارك وتعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)" فحدود الوطنية عند الإخوان تقوم على أساس العقيدة ويدعم هذا التصور لديهم مفهوم الإخوة الإسلامي، فالكثير من الآيات والأحاديث ناطقة بهذه الإخوة، وهذا الرباط الوثيق الذي يجمع بين المسلمين في كافة أنحاء الأرض بصرف النظر عن جنسهم أو لونهم يقول تعالى (إنما المؤمنون إخوة). ويمكن القول بأن مفهوم الإخوان للأمة الإسلامية كان عاملاً حاسماً وأساسيا في مناصرة الإخوان لقضايا العالم الإسلامي على امتداد هذا العالم وإذا طبقنا هذا المفهوم على القضية الفلسطينية لوجدنا الكثير من كتابات الإخوان التي تناولت هذه القضية قد ركزت على هذا المعنى فقد أكد حسن البنا في خطاب إلى السفير البريطاني في القاهرة على "أن قضية فلسطين قضية كل مسلم"، وتؤكد جريدة الإخوان المسلمين على أن "فلسطين قطعة من الجسد الإسلامي العام، ولبنة قيمة من بنيان الكيان الإسلامي فكل قطعة لا تتألم لألم فلسطين ليست من هذا الجسد، وكل لبنة لا تختل لاختلال فلسطين فليست من هذا البنيان". ولعل هذه الكتابات المختلفة للإخوان تؤكد على العامل الهام الذي لعبه مفهوم الأمة الإسلامية في موقف الإخوان من القضية الفلسطينية ومن المفاهيم التي جعلت الإخوان يولون اهتماماً كبيراً للقضية الفلسطينية مفهوم الجهاد، وقد أولى حسن البنا مفهوم الجهاد اهتماما كبيرا وأوضح حكم الجهاد عند الفقهاء "إن الجهاد فرض كفاية على الأمة الإسلامية لنشر الدعوة، وفرض عين لدفع هجوم الكفار عليها والمسلمون الآن كما تعلم مستذلون لغيرهم محكومون بالكفار قد ديست أرضهم وانتهكت حرماتهم، وتحكم في شئونهم خصومهم وتعطلت شعائر دينهم في ديارهم فضلاً عن عجزهم عن نشر دعوتهم فوجب وجوباً عينياً لا مناص منه أن يتجهز كل مسلم وأن ينطوي على نية الجهاد، وإعداد العدة له حتى تحين الفرصة ويقضي الله أمراً كان مفعولاً" وقد أعتبر الجهاد لتحرير فلسطين "فرض عين على كل مسلم"، وعليه تكون فلسطين بالنسبة للإخوان "السوق والذي تربح فيه الصفقة مع الله وتفوز فيه بإحدى الحسنيين النصر أو الشهادة" وقد أفتى الشيخ السيد سابق أحد فقهاء الإخوان أثناء حرب 48 بتأجيل أداء فريضة الحج وتقديم المال للجهاد في فلسطين لقد اعتبر الإخوان المسلمين البلاد الاسلامية أمة واحدة تجمعها رابطة العقيدة، وأن أي عدوان يقع على واحدة منها يعتبر عدوان على المسلمين جميعاً، ويذكر البنا أنه قرأ حكماً في أحد كتب الفقه يقول "امرأة مسلمة سبيت بالمشرق وجب على المغرب تخليصها وافتداؤها ولو أتى ذلك على جميع أموال المسلمين" ويخلص البنا من هذا الحكم إلى حقيقتين:- الأول: إن الوطن الإسلامي واحد لا يتجزأ، وأن العدوان على جزء من أجزائه عدوان عليه كله. الثانية: أن الإسلام فرض على المسلمين أن يكونوا أئمة في ديارهم سادة في أوطانهم " ومن هنا يعتقد الإخوان المسلمون أن كل دولة اعتدت وتعتدي على أوطان الإسلام دولة ظالمة لابد أن تكف عدوانها، ولابد من أن يعد المسلمون أنفسهم ويعملوا متساندين على التخلص من نيرها وهكذا جمعت القضية الفلسطينية بين مفهوم الأمة الإسلامية ومفهوم الجهاد لدى الإخوان، لذلك ذكر حسن البنا بأن حل القضية الفلسطينية سيكون بالوحدة والجهاد ثانياً: المكانة الدينية لفلسطين في الإسلام لفلسطين منزلة كبيرة في الإسلام فبيت المقدس هو أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومسرى الرسول عليه الصلاة والسلام، كما أن المسجد الأقصى أحد المساجد الثلاثة الذي يشد إليها الرحال كما وصف الله سبحانه وتعالى أرض فلسطين بالأرض المباركة وذلك في أكثر من موضع، بالإضافة إلى أنها مهبط كثير من الأنبياء، وسكنها الكثير من الصحابة، وورد العديد من الأحاديث في فضل بيت المقدس وفلسطين بصفة عامة وبفضل هذه المكانة اهتم الإخوان اهتماما كبيرا بالقضية الفلسطينية و ركزت كتاباتهم على المكانة المقدسة لبيت المقدس ونظراً للمنزلة الدينية لفلسطين "فإن الإخوان المسلمين يعتقدون اعتقاداً جازماً بأن فلسطين جزء من العقيدة الإسلامية وأن أرضها وقف إسلامي على جميع أجيال المسلمين في ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم إلى يوم القيامة، لا يجوز لأحد كائناً من كان أن يفرط أو يتنازل ولو عن جزء صغير جداً منها، ولذلك فهي ليست ملكاً لفلسطين أو العرب فحسب بل هي ملك للمسلمين جميعاً ... فعلى المسلمين في كل مكان أن يساهموا عملياً في تقديم المال والدم للدفاع عنها) كما ارتبطت المكانة الدينية لبيت المقدس والأحاديث عن القتال بين المسلمين واليهود وانتصار المسلمين بمفهوم الجهاد عند الإخوان فقد جاء في الحديث "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين على من يغزوهم قاهرين لا يضرهم من ناوأهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك، قيل يا رسول الله: وأين هم، قال ببيت المقدس". رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود" رواه البخاري ومسلم. وقد أدت هذه الأحاديث التي تبشر بالنصر للمسلمين على اليهود إلى إعطاء مفهوم الجهاد في فلسطين صفة ومكانة خاصة ثالثاً: تهديد المشروع الصهيوني للأمن القومي المصري لم تقتصر الدعاوي الصهيونية الزائفة على فلسطين فقط بل امتدت أطماع الصهيونية لتشمل العديد من الأقطار العربية، فحدود فلسطين كما تريدها الصهيونية هي من النيل إلى الفرات. وأطماع الصهيونية في مصر بدأت بصورة مبكرة، وكما قال هرتزل "إن سيناءوالعريش هي أرض اليهود العائدين إلى وطنهم". وقد تعددت المحاولات الاستيطانية الصهيونية قبل أن تستقر بصورة نهائية على أرض فلسطين والتي كان من ضمنها العريشوسيناء كما كان من ضمن المشاريع الاستيطانية الصهيونية مشروع توطين اليهود في أوغندا، وهو المشروع الذي أعقب فشل مشروع الاستيطان الصهيوني في العريشوسيناء، وتقع الأراضي التي وقع عليها الاختيار لتوطين اليهود فيها في كينيا وإن عرف المشروع خطأ بمشروع أوغندا، والنقطة المهمة في هذا المشروع، والتي أشارت إليه بعض الآراء أن الهدف من محاولة الاستيطان في هذه المنطقة هو العمل على التحكم في منابع نهر النيل، واستغلال ذلك للضغط على جميع الأطراف التي عارضت محاولة الاستيطان الصهيونية في العريشوسيناء لإرغامهم على التخلي عن معارضتها ويرى طارق البشري أن هذا المشروع الصهيوني كان تهديداً لمصر نظراً لموقع الوطن المقترح لليهود، والذي يتحكم في منابع النيل وقد ذكر مندوب بريطانيا في أوغندا عام 1894 أن أوغندا أقوى دول شرق أفريقا لسيطرتها على منابع النيل وأن "موقفنا في أوغندا ومصر موقف واحد لا ينفصل أحدهما عن الآخر لأن من ملك أعالي النيل يتصرف بمصر على هواه ومشيئته ويكون باستطاعته أن يقضي على مصر" وقد فطن الإخوان مبكرا إلى الخطر الذي تمثله الصهيونية على مصر، وأن نجاح المخططات الصهيونية في فلسطين يشكل تهديداً خطيراً لمصر ليس فقط على المستوى الأمني بل في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، ولذلك نجد الكثير من الكتابات التي تعبر عن هذا الخطر ففي عدد النذير بتاريخ 2 شعبان 1357ه / 1938 م أكثر من مقال تعرض للخطر الصهيوني على مصر "إن فلسطين هي خط الدفاع الأول والضربة الأولى نصف المعركة فالمجاهدون فيها إنما يدافعون عن مستقبل بلادكم وأنفسكم وذرا ريكم كما يدفعون عن أنفسهم وبلادهم وذراريهم". "إن قيام دولة يهودية على حدود مصر الشرقية لتهددنا في كياننا وفي استقلالنا وفي تجارتنا وفي أخلاقنا وفضائلنا فإلى الذين يؤمنون بأن مصر فرعونية أقول لهم إن استقلال مصر أمس في خطر الزوال بقيام دولة يهودية في فلسطين". كما حذر حسن البنا المصريين في نفس العام بأن عدم مساندة الثورة في فلسطين يعني أنهم سيضطرون إلى أن يدفعوا عن أنفسهم في المستقبل غائلة الخطر اليهودي الصهيوني بعد أن ترسخ قدمه على بعد خطوات من الحدود المصرية وحينئذ لا تنفع الجهود ويصدق علينا المثل القائل (أكلت يوم أكل الثور الأبيض). ويؤكد حسن البنا على هذا المعنى بصورة أكثر وضوحاُ في سبتمبر 1945 " نريد أن نؤمن حدودنا الشرقية بحل قضية فلسطين حلاً يحقق وجهة النظر العربية، ويحول دون تغلب اليهود على مرافق هذه البلاد. نحن نطالب بهذا لأنه تأمين لحدودنا ومصلحة مباشرة لنا". كما حذر حسن البنا الحكومة المصرية عام 1946 من الأطماع الصهيونية في سيناء وطالب بالإسراع بنقل الجمرك من القنطرة إلى رفح وإقامة منطقة صناعية على الحدود بالإضافة إلى إنشاء جامعة مصرية عربية بجوار العريش كما اعتقد الإخوان أن قيام دولة يهودية في فلسطين سيهدد موقف مصر الاقتصادي وسيغرق الأسواق المصرية بالمنتجات اليهودية، هذا بالإضافة إلى سيطرة اليهود المصريين على الحياة الاقتصادية في مصر، مما سيؤدي بالتالي إلى أننا "سنفقد استقلالنا الاقتصادي" ومن الواضح من هذه الأقوال والكتابات إدراك الإخوان لحقيقة ارتباط الأمن القومي المصري ببلاد الشام وأن الأمن القومي المصري من جهة الشرق لن يتحقق إلا بتأمين هذه البلاد، وهو الأمر الذي أكدته حقائق التاريخ فمن الحدود الشرقية لمصر جاءت معظم الغزوات التي تعرضت لها مصر على مدار تاريخها، ولذلك عمل كل حكام مصر منذ الفراعنة وعلى مدار كل العصور على تأمين الجهة الشرقية لمصر عن طريق ضم بلاد الشام لمصر. بل نجد حسن البنا في عام 1945 يؤكد على "نظرية الأمن القومي المصري" فيرى أن صيانة الحقوق الوطنية لوادي النيل تتطلب تأمين حدود مصر من جميع الجهات فمن الجهة الغربية رأى أن الأمر يتحقق "يوم تسلم ليبيا لأهلها العرب الذين جاهدوا في سبيلها عشرات السنين... وتقوم فيها حكومة عربية مستقلة وتظل وطناً موحداً حراً مستقلاً". ومن الجهة الشرقية لا يتحقق الأمر إلا "بحل قضية فلسطين حلاً يحقق وجهة النظر العربية ويحول دون تغلب اليهود على مرافق هذه البلاد". أما من الجهة الجنوبية فقد رأى أن تأمين حدود هذه النيل يكون "بأن تحفظ حقوقنا في الأرتريا ثم زيلع ومصوع وهرر وأعالي النيل..." ومن الواضح مما تقدم إدراك البنا لحقيقة أن الأمن القومي المصري لا يتحقق على حدود مصر فقط بل بتأمين البلاد المجاورة لمصر من الشرق بحل قضية فلسطين واستقلاله ومن الغرب باستقلال ليبيا ومن الجنوب بتأمين أعالي النيل وعودة الأماكن التي فتحتها مصر وقامت بإعمارها "ثم اغتصبت من جسم الوطن ظلماً وعدواناً" ويؤكد البنا على تأمين الحدود المصرية بتأمين الأنظمة المجاورة لمصر من مختلف الجهات "ومن واجبنا أن لا نتلقى حدود بلدنا عن غيرنا وأن نرجع في ذلك إلى تاريخنا لنرى أي ثمن غال دفعناه من الدماء والأرواح في سبيل تأمين حدودنا لا لمطامع استعمارية ولا لمغانم جغرافية ولكن لضرورات حيوية لا محيص منها" إن هذا التصور الشامل لأبعاد الأمن القومي المصري يوضح إدراك الإخوان للخطر الصهيوني على مصر، وأن مقاومة المخططات الصهيونية والدفاع عن قضية فلسطين هو دفاع عن المصلحة الوطنية المباشرة لمصر، وهو الأمر الذي يؤكد عليه طارق البشري ردا على الذين يتحدثون عن التضحيات التي قدمتها مصر دفاعاً عن قضية فلسطين، ويؤكد وهو يتحدث عن الصهيونية في مصر أن الدفاع عن فلسطين هو دفاع عن المصلحة الوطنية المصرية بالمعنى الضيق إذا استبعدنا أي اعتبارات أخرى كالواجب العربي أو الإسلامي، ويأخذ على الحركة الوطنية المصرية أنها لم تضع الخطر الصهيوني في بؤرة الإدراك الوطني المصري وأن النزوع التقليدي للحركة الوطنية المصرية كان مقصوراً على قضية الجلاء ووحدة وادي النيل حتى الحرب العالمية الثانية، وأن حزب الوفد لم يكن قادراً على استيعاب هذا الخطر على عكس التنظيمات الشعبية التي تصدت لهذا الخطر وعلى رأسها جماعة الإخوان التي " كانت أكثر التنظيمات الشعبية إدراكها لهذا الأمر وتصدياً له ... وأن وضع المسألة الفلسطينية في بؤرة الأهداف الوطنية من شأنه وجوب إعادة تقدير دورهم ودور غيرهم السياسي" ولذلك يمكن القول:إن اهتمام الإخوان بالقضية الفلسطينية كان في أحد جوانبه ينطلق من دافع مصري تتطلبه المصلحة الوطنية العليا المصرية، وعملاً في نفس الوقت لصالح القضية المصرية رابعاً: أخطار المشروع الصهيوني على الوحدة العربية والإسلامية أدرك الإخوان خطورة المشروع الاستيطاني الصهيوني على الوحدة العربية والإسلامية مثلما أدركوا خطورته على مصر، وقد أدركوا أن هذه الخطورة لا تتوقف عند الأخطار السياسية بل تتعدى ذلك إلى الأخطار الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية وغيرها من المجالات وبذلك كان المشروع الصهيوني تهديداً للحلقات الثلاثة لدى الإخوان. وقد أدرك الإخوان طبيعة الحركة الصهيونية كحركة سياسية استعمارية وارتباطها بالدول الاستعمارية وعلى رأسها في تلك الفترة بريطانيا ثم الولاياتالمتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وقد عبر حسن البنا وغيره من الإخوان عن هذه الأفكار في الكثير من الكتابات فيذكر حسن البنا" إن العرب حين يذودون عن فلسطين ويطالبون بحقها يشعرون من أعماق قلوبهم أن صميم وحدتهم وسلامة أوطانهم وحقيقة استقلالهم كل ذلك مرهون بهذا الجزء من أرضهم وبأن يظل لهم فلا تقوم فيه دولة لسواهم فدفاعهم عن فلسطين دفاع عن صميم كيانهم فضلاً عن الاعتبارات الدينية والخلقية الأخرى والعرب يدركون هذه الحقيقة فهم لا يجاملون أهل فلسطين ولكنهم يحافظون على وجودهم وعلى أرضهم" كما أدرك الإخوان المطامع الاستعمارية للحركة الصهيونية، وأن مطامعها لا تقف عند فلسطين بل ستمتد لتشمل ما جاورها من الأقطار من الفرات إلى النيل ففي عام 1936 يكتب البنا محذراً من مطامع الصهيونية "فهم لا يقتصرون على فلسطين لكنهم سيتحيفون الأرض من كل جانب، وهم خطر على وحدة العرب في الشرق لأنهم لا يعيشون إلا في جو التفريق". وفي عام 1948 يوجه البنا بيناً للشعوب العربية يحذر فيه من الخطر الصهيوني وأن "دولتهم الخيالية التي يعبرون عنها بجملتهم المأثورة (ملك سليمان إسرائيل من الفرات إلى النيل) في عرفهم ما هي إلا نقطة ارتكاز تنقض منها اليهودية العالمية على الأمة العربية دولة فدولة ثم على المجموعة الإسلامية أمة بعد أمة كم أدرك الإخوان أن إنشاء كيان صهيوني في فلسطين يعني تنفيذ المخططات الاستعمارية في البلاد العربية، وأن هذا الكيان سيشكل قاعدة للدول الاستعمارية ويعمل على فصل الدول العربية عن بعضها ويهدد كيان العرب فقضية فلسطين "كارثة خطيرة تهدد كيان العرب ووجودهم لا في فلسطين وحدها بل في جميع البلاد العربية إذ لم يعد خافياً أن الصهيونيين لا يطمعون في فلسطين وحدها بل في جميع البلاد العربية" وأن مصلحة أمريكا وانجلترا السياسة أن يثبتوا شوكة يهودية في جسم الدول العربية حتى يأمنوا جانبها وحتى يهددوا هذا الجسم العربي بالانحلال السريع" كما اعتقد الإخوان أن قيام الكيان الصهيوني سيؤدي إلى خلق مشاكل وأخطار لا نهاية لها تشغل العرب وتستنفذ قوتهم وتخلق مشاكل داخلية في كل بلد عربي من قبل الجاليات اليهودية التي تعيش فيها والتي ستشكل طابوراً صهيونياً خامساً سيكون ولاؤه للدولة الصهيونية وبالإضافة إلى الأخطار السياسية المترتبة على الدول العربية فقد أدرك الإخوان خطر الصهيونية على العالم الإسلامي وأن الخطر الصهيوني يهدد "العالم الإسلامي كله والعدو الصهيوني يعتبر نفسه مخلب قط لكل القوى الأجنبية التي لها مطامع في أي بلد عربي أو إسلامي كما اعتقد الإخوان أن قيام الكيان الصهيوني ينذر العالم الإسلامي بالاضمحلال الروحي ويهدده من ناحية العقيدة والإيمان حيث الخطر الصهيوني الذي يستهدف الأماكن المقدسة في بيت المقدس والمتمثل بحلم اليهود بهدم المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان مكانه كما تنبه الإخوان للأخطار الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية التي تهدد العالم العربي والإسلامي من جراء المشروع الصهيوني وقد ركز الإخوان على الخطر الاقتصادي على الشرق الأوسط نتيجة صغر مساحة فلسطين مما سيدفع كبار الممولين اليهود المهاجرين إلى فلسطين إلى محاولة استثمار أموالهم في البلاد العربية المجاورة وتصريف منتجاتهم في دول الشرق الأوسط مما سيؤدي إلى "خراب اقتصاد واضطراب مالي" كما حذر الإخوان من الخطر الاجتماعي المترتب على قيام الكيان الصهيوني حيث ستلجأ الصهيونية إلى نشر الإباحية والإلحاد وقد عبر البنا عن هذه الأخطار بقوله "أنه لن تقوم في أي دولة صناعة ناجحة ولا تجارة رابحة وستقضي المنافسة الصناعية والتجارية على كل أمل لهذه الأمة العربية والإسلامية في التقدم والنهوض هذا فضلاً عن الفساد الاجتماعي الذي تحمله جراثيم هذه الرؤوس اليهودية الطريدة من كل دولة مما يشيع في هذه المجتمعات الكريمة أسوأ ما في الإباحية والإلحاد والتحلل، وكل خلق فاسد مرذول" من هذا العرض لرؤية الإخوان للقضية الفلسطينية يتضح أن هناك عوامل متداخلة سواء دينية أو سياسية أو فكرية قد أدت إلى الاهتمام الكبير من جانب الإخوان بالقضية الفلسطينية، وأن الإخوان كانوا على وعي بطبيعة المشروع الصهيوني وأخطاره على مصر والعالم العربي والإسلامي، وأن هذا الوعي قد تشكل لدى الإخوان بصورة مبكرة قياساً بالقوى الأخرى مدرس التاريخ الحديث والمعاصر* كلية التربية – جامعة دمنهور [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]