ماذا يريد مصطفي طلعت أو بوجي أو غيرهم ؟.. هل النجومية تأتي بالعافيه .. هل هي إعلانات ودعاية ومانشيتات صحف ، أم أنها جد وإجتهاد ومثابرة وإخلاص وقبل كل هذا وذاك ، أخلاق حقيقية ، أصبحت سرابا مع كل طلعة نهار تطل علينا .. هل البطولات تحرز عنوة أو علي حين غفلة ؟ .. أم يلزمها تخطيط سليم وعمل جاد من أجل حصدها .. إذا كنت في الأصل لا تملك أساس ثابت راسخ تقف عليه بكل ثبات ، بل لا تملك أية مقومات علي الإطلاق ، فما الذي تريده أو يريده غيرك ؟؟ .. عندنا بالقطع النجومية تعني الإعلانات والمناشيتات ، والبطولة هي التي تحرز صدفة وبإسلوب الفهلوة ( يا صابت يا خابت ) ، لأننا لا نملك أساس قويم أو نهج نلتزم به ، فيصبح الفشل هو الأساس ، أما النجاح _ إن استحق أن ننعته بهذه الصفه _ فهو مجرد طفرة ، لا تحدث إلا كل حين ، وعندما تحدث ، تشعر معها ، وكأننا فعلنا ما لم يفعله ولن يستطيع أن يفعله غيرنا ، رغم أننا دائما في آخر الصف ، ولكننا نتعامي عن النظر إلي الخلف أو الأمام ، كل ما يعنينا هو موضع أقدامنا العاجزة دائما ! جل ما نمكله ، جمل إنشائية وخطابية قديمة قدم الدهر نفسه ، ومجموعة أغاني وطنية تتكرر علي مسامعنا دوما دون أن نملك الحق في المطالبة بعمل دؤوب مجتهد ، بدلا من تلك المهاترات التي حفظناها ظهرا عن قلب ، حتي أن إنتاجنا القومي توقف عند حدود تلك الأغاني بحيث أصبحنا نبز العالم فيها بزا !! وعندما تابعت مباريات منتخب الشباب في بطولة كأس العالم ، كنت أتابعها بالإحساس والعقل ، إحساس مصري يعنيه كثيرا أن يري منتخب بلاده يحلق في الأفق ، وعقل ناقد ، لا يتغلب عليه إحساسه فيجد نفسه يهوي من حالق إلي منزلق الخطأ .. والعقل كان يقول _ ومازال _ أننا نلعب كرة القدم دائما بطريقة ( خدوهم بالصوت ) ، علي طريقة الأغاني إياها ، أما الخطط والتكتيك والتدريب واللياقة والتواضع والفكر ، فقد تركناه لغيرنا ، علي إعتبار أننا لا نملك الوقت الكافي للتفكير في مثل هذه التفاهات ، فمن أين يجد اللاعب وقتا لذلك ، وهو الغارق حتي النخاع في بحر الإعلانات وخيال النجومية الذي كان يداعبه يوما في أحلامه ، فوجده حقيقة ماثلة يعيشها دون أن يبذل أدني جهد يذكر .. عفروتو ، وطلعت ، وبوجي ، وغيرهم من لاعبي المنتخب ، لا حيلة لهم ، مجرد شباب بسيط باحث عن الحياه ، كغيرهم من الباحثين والكادحين ، وضعتهم الظروف وسط مناخ كروي مطنطن مهلل فاسد ، صنعوا منهم أبطال ومغاوير ، دون بطولة حقيقة ، لم يبتكر أحدهم إختراع هام ، ولم يتوصل واحد منهم إلي معادلة كيميائية خطيرة ، ولم يظهر علي محيا أحدهم بوادر النبوغ أو العظمه ، حتي في مجال تخصصهم الذي هو كرة القدم ، ورغم ذلك رأيناهم نجوما ، تملكهم الغرور ، وسيطر عليهم التعالي ، وأصبحت الأنانية المفرطه هي محركهم الأساسي .. وهو حال كل من يجد نفسه فجأة في كل هذا ( العز ) دون سابق إنذار ، فلا تتوقع منه أن يتطلع إلي ما هو أعلي ، لأنه تشبع بالفعل ولم يعد بحاجه إلي المزيد .. من يتباكي الآن علي خروجنا المستحق من بطولة العالم للشباب ، هم أول من تسببوا في هذا الخروج ، وهو بكاء تماسيحي محض ، لن يلبث أن يتحول إلي إبتسامات صفراء وصراعات مخيفة علي الكعكة القادمة ، ونصيب كل فرد منها !! فقط عليهم الإنتظار ، إلي أن يتناسي الجميع خروجنا المؤسف علي يد منتخب كروي لم نسمع به من قبل ، ولم يحدث يوما أن كانت لدولته مكانة علي خارطة الطريق الكروي العالمي .. وهي عادتنا دائما ، نبدأ الحكاية بصراخ وزعيق ، وأحيانا نهيق ، لا تعرف رأسك من قدميك ، ويكون لزاما عليك أن تتسلح بالصبر، وبما إستطاعت إمكاناتك الماديه من توفيره من أدوية الضغط ، وأنت تشاهد الهراء والإستخفاف بأسوأ معانيه ، ثم تصدم بالواقع ، ليعلو البكاء والنحيب ، والمطالبة بالحساب العسير ، حتي يخفت الصوت ويتلاشي ، دون حساب يذكر أو حتي هندسة .. فالهندسة الحقيقية في نظر هؤلاء هي كيفية التلون حسب الحال والتملص للهروب من المسئولية وقت اللزوم ، لتفاجئ بهم مرة أخري وقد تبوأ كل منهم منصب المسئولية من جديد ، لندور في نفس الحلقة السقيمة !! أما من يبكي حقا فهو كل مصري بسيط ، لا يجد متعته إلا في كرة القدم ، حتي تلك إستكثروها عليه فلم يعد يجد فيها مخرجا أو متنفسا ، وكأن خطأه الوحيد أنه صدق هؤلاء وأولئك ، فيما أشاعوه عن قدراتنا التي بلا حدود .. الحديث يطول ويطول ، ويحتاج إلي مجلدات من الصبر بدلا من الأوراق التي قد لا تساوي قيمة الحبر الذي يخطها ، وقبل كل هذا وذاك ، أن يقف الجميع وقفة صدق مع أنفسهم رحمة بهذا الجمهور العظيم ، فهل من مجيب !!