مما لاشك فيه مقدما أن الله – عز و جل – خلق الإنسان و رسم له منهجا ثابتا يصلح لكل زمان و مكان ، و هذا المنهج يشبه الأرض التى نعيش عليها فهى أرض واحدة و لكن عليها نمارس شئون حياتنا المختلفة ، و كذلك الدين فهو الأرض و عليه تقوم حياة الإنسان فى أحواله الشخصية و الاجتماعية و المعاملات و السياسة و الاقتصاد ..... إلخ . و بالنظر إلى السيرة النبوية نجد أن النبي – صلى الله عليه و سلم – رسم لنا طريقنا فى منهج الحياة فنجده يربي المسلم تربية تقوم على تقوى الله و معرفة دينه ثم يتخصص فى أمر خاص بعد معرفة العام فيقول فى حديثه الشريف : " أرحمُ أُمَّتي بِأُمَّتي أَبُو بكر ، وأشدُّها حَيَاء عُثْمَان ، وأعلَمُهَا بالحلال وَالْحرَام معَاذ بن جبل ، وأقرؤها لكتاب الله - تَعَالَى - أُبِيّ ، وأعلَمُهَا بالفرائض زيد ، وَلكُل أُمَّةٍ أمينٌ ، وأمينُ هَذِه الأُمّة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح" صححه الشيخ الألباني . و هكذا فنحن اليوم احوج فى السياسة بما فعله النبي – صلى الله عليه وسلم – نريد تقيا و طنيا عارفا بدينه ثم بتخصص فى الأمور السياسية دراسة و علما و فهما ليعرف نتائج قراراته و ارتباطها بالدين و بمصالح العباد فى الدنيا ، إنه كالطبيب المسلم الذى يدرس دينه و يعرف حلاله و حرامه ثم يتخصص فى علوم الطب ليصبح طبيبا و لا يسمح لغيره الذى لم يدرس الطب أن يكون طبيبا مهما كانت درجة تدينه . إن ما نعانى منه اليوم هو اننا صرنا بين اثنين : الأول يعرف السياسة و لكنه يفصلها عن الدين و الثاني يعرف الدين و يجهل السياسة ، و هذه مهمة كبيرة على العلماء جميعا أن ينهضوا لها اليوم قبل الغد وهى أن يقدموا لنا دراسات دقيقة تحكم العمل السياسي من منظور دينى فنخرج من دائرة الحلال و الحرام فى الأمور السياسية القائمة على الاجتهاد الشخصى أو المصالح الحزبية إلى معرفة الحلال و الحرام القائم على العلم و أن نصل إلى نقاط لا يختلف عليها اثنان و أن نعرف النقاط التى تقبل الاختلاف و التنوع و لعل هذا ما رأيناه فى فترة الانتخابات و الاستفتاء على الدستور و رأينا الكثير من الأقوال ما بين حلال و حرام و انقسم الناس ما بين ( نعم ) الحلال و ( لا) الحرام و ما بين ( نعم ) الحلال و ( نعم ) الحرام أيضا فما بالنا لدولة بل عدة دول أصبح فيها الحكم يتولاه من يريدون الجمع بين الدين و السياسة و لكن البضاعة فقيرة من حيث البحث العلمي . إنني أرجو من علماء الدين و السياسة و الاقتصاد و كل المجالات أن يسرعوا بتقديم أبحاث علمية دقيقة تخرج لنا السياسي المتدين و ليس المتدين السياسي ، كما أننا نسمح بالطبيب المتخصص المتدين ولا نسمح لكل متدين بأن يكون طبيبا إلا بعد دراسة الطب . أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]