إن ما يدور بوطننا الآن من مظاهرات واعتراضات ما هو إلا نتاج للحالة التى أوصلتنا إليها الرئاسة من إحباط أصاب كثيراً من مواطنينا وخاصة الشباب، فبقدر ما كنا نحلم بأمل فى غد مشرق نتيجة ثورة نعتز بها، فوجئنا ليس فقط بجمود وغموض وغياب لخطط وأهداف، ولكن بتدهور وانهيار لكثير من مناحى الحياة، وتذكرنى هذه الحالة – نوعًا ما - بأحداث السادات فى 17/18 يناير من ناحية الانفصال عن نبض الشارع، فبدلاً من تحقيق حلم وتوقعات الجماهير ولو جزئيًا أو مرحليًا، قامت بزيادة وطئتها!! وهو للأسف الشديد نفس ما يحدث الآن. ومع ذلك فإن تناول هذه الاعتراضات لا يخرج عن أمرين إما معالجة ديمقراطية أو غير ديمقراطية.. والديمقراطية طريقة الحوار.. وفى حالة عدم الاتفاق فبالاحتكام، وفى حالتنا فالاحتكام يكون لرأى الشعب بصندوق الانتخابات، فهو الأداة الوحيدة لمعرفة رأى غالبية المواطنين، وهم أصحاب الحق الأصيل فى الاختيار وليس لأحد حق إجبارهم برأى مختلف، ولو كان يرى فيه صلاحهم، وإن لم يكن الحل الديمقراطى، فلن يكون إلا فرض الرأى بالقوة، وهو ما نرفضه، وقد رأينا أمريكا تفاوض وتتحاور مع إيران مرات ومرات، رغم نقض إيران لتعهداتها مرات كثيرة، ولكن البديل هو الحرب وهو ما تتجنبه أمريكا وجميع دول العالم، فالثمن باهظ وسيدفعه الجميع. وللأسف الشديد فإن جبهة الإنقاذ عندنا – رغم أنها تتكون من أحزاب ديمقراطية – تسلك طرقاً غير ديمقراطية، وتدفع للصدام، وهو ذات ما أكدته الصحف الغربية والعالمية ذاكرة "أن ليبراليى مصر غير ديمقراطيين" ومنها صحيفتا "جارديان" و"ذا ويك" البريطانيتان ومركز "جلوبال ريسيرش" الكندى للأبحاث وصحيفة "ناشيونال بوست" الكندية والتى ذكرت أن ما تقوم به المعارضة المصرية هو "عبث غير ديمقراطى".. لذا فقد أساءت للأسف الشديد جبهة الإنقاذ إلينا كمعارضة وطنية وأضعفت موقفنا بافتقاد جزء كبير من المعارضة البناءة!! وذلك ليس فقط برفض الحوار بالتذرع بأى أسباب تستطيع اختلاقها فى كل مرة طبقا للأحداث، ولكن أيضًا بإحيائها وإدخالها للفلول فى المعركة الحالية، فضلا عن دفع بعضهم لبعض أعضائهم للصدام والحرق والتدمير للتسريع بحالة الفوضى أملا فى إسقاط الرئاسة والوصول إلى كرسى الحكم. ومثالا على هذا ما ذكره الرسام التشكيلى اليسارى صلاح عنانى بالتحرير قائلا "يجب أن تستمر الاشتباكات وتزداد الوفيات حتى تستمر الثورة ويسقط النظام"!! ورد عليه المتظاهرون بالهتاف قائلين "حنعلمهم الأدب هنوريهم الغضب" !! أهرام 25/1/2013. والخطير فى إدخال الفلول هو أن غالبية المنتسبين للحزب الوطنى سابقا كانوا منتفعين وغير مؤمنين بالحزب، ولذا فإنه عندما كان يحدث صدام، كان يتم بين الشعب والشرطة.. أما اليوم فإن المنتسبين للحزب الحاكم مؤمنون به، وهناك قوى أخرى تساندهم.. فلو حدث صدام، فسيكون صدام شعب بشعب.. وهو ما يعنى حرباً أهلية بما لها من خطورة وآثار وأرواح.. غير احتمالية دخول مصر فى مجاعة لتوقف الاستيراد فى نفس الوقت الذى لا يكفى فيه إنتاجنا احتياجاتنا. فالوضع مختلف وجد خطير. بل إننا لو نظرنا إلى الأمر بشكل أشمل لوجدنا أنه بعد التصويت فى انتخابات ديمقراطية، فلا يمكن الاعتداد بمظاهرات الاعتراض على بنود قد تم التصويت عليها مهما زادت الأعداد، إلا إذا وصلت إلى أكثر من نصف إجمالى عدد الأصوات.. لذا فلو افترضنا خروجا ليس مليوناً ولا اثنين ولكن 12 مليوناً من المواطنين لسحب شرعية الرئيس، فليس لهم هذا الحق، وخاصة أنهم قد سبقوا ورفضوا انتخابه، فى حين أنه كان يوجد 13 مليوناً آخرين يوافقون على انتخابه، ولو افترضنا حدوث تغيير فى نسبة التأييد له، فلا يمكن استنتاجها بالظنون ولا بالمليونيات، ولكن يمكن التيقن منها فقط عن طريق صندوق الانتخابات مرة أخرى. الحل يكمن فى المادة (139) من الدستور، والتى سبق واعترض عليها بمقالى "الرئاسية والبرلمانية ... والمرجيحة المصرية" بجريدة اليوم السابع فى12/12/2012.. ولكنى أرى الآن أنها يمكن أن تكون المخرج. والتى نصها " يختار رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء، ويكلفه بتشكيل الحكومة وعرض برنامجها على مجلس النواب خلال ثلاثين يومًا على الأكثر؛ فإذا لم تحصل على الثقة يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا آخر لمجلس الوزراء من الحزب الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب؛ فإذا لم تحصل حكومته على الثقة خلال مدة مماثلة، يختار مجلس النواب رئيسًا لمجلس الوزراء ويكلفه رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة، على أن تحصل على الثقة خلال مدة أخرى مماثلة،... وفى حالة حل مجلس النواب، يعرض رئيس مجلس الوزراء تشكيل حكومته وبرنامجها على مجلس النواب فى أول اجتماع له" أى أن اختيار رئيس مجلس الوزراء القادم سيتم بعد انتخابات البرلمان القادمة، ويمكن أن يكون باختيار أغلبية مجلس النواب (نظام برلمانى معدل).. ولو نظرنا إلى صلاحيات رئيس مجلس الوزراء فى الدستور الجديد فهو رئيس الحكومة الفعلى وليس رئيس الجمهورية.. وصلاحيات رئيس الجمهورية ما هى إلا رئاسة صورية فقط بلا فاعلية إلا فى بعض الأمور كالدفاع والأمن القومى والخارجية والمعاهدات و.. إلخ..أى أن انتخابات البرلمان القادمة هى انتخابات رئيس الحكومة الفعلى للبلاد، وهو ما يحقق أعلى مطلب للجماهير الغاضبة من إعادة انتخابات الرئاسة، وإن كانت من الناحية العملية وليست الاسمية.. فهى انتخابات للرئاسة الفعلية.. فهذا الحل هو الأصعب، ولكنه الأصلح والأسلم والأقصر والأسرع. فيا شباب وطنى إننى أقدر حالة الإحباط التى وصلنا إليها.. ولكن لا يدفعك غضبك ولا الإثارة التى يقوم بها بعض الأفراد وبعض الإعلاميين والأحزاب والجماعات، حتى نقتل أنفسنا وندمر أحلامنا وآمالنا وبلدنا بأيدينا!! حفظك الله يا مصر، وهدى أبناءك لما فيه صلاحك لا تدميرك. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]