شاع في الأدبيات السلفية منذ أمد بعيد وزمن سحيق أن التوسل بالسيد البدوي ضرب من ضروب الشرك ولون من ألوان الكفر؛ لأن التوسل عندهم لا يجوز بمخلوق عاجز، ولا يصح بمحدث هالك. وباتت هذه القضية خصيصة من خصائص الحركة السلفية، عليها توالي وتعادي، وفيها تجادل وتخاصم. وفجأة دون مقدمات سابقة أو إشارات سالفة، رأينا حزب النور السلفي يتوسل بالسيد البدوي؟!! ولا أدري أين ذهبت هذه الثوابت الفكرية للحركة السلفية؟ وكيف التقت المرجعية الإسلامية السلفية مع المرجعيات الليبرالية والعلمانية واليسارية؟ نعم.. لا أستطيع أن ننزع العباءة الوطنية عن أي فصيل مشارك في الحركة الوطنية. بيد أنني لا أفهم كيف يلتقي الضدان، ويجتمع النقيضان؟ نعم.. لكل صاحب فكر وطني أن يطرح فكره، ويدعو إليه، ويجادل عنه، ثم يحتكم الجميع إلى الصندوق الانتخابي، ثم ينطلق الجميع إلى العمل الوطني. أما ما نراه اليوم على الساحة السياسية فهي تنازلات سلفية لاتجاهات قطعت الصلة بين السماء والأرض، وتريد إسقاط عدالة الصندوق الانتخابي؛ لفشل سياسي، وإيقاف لحركة العمل لهدم الدولة. هنا يكمن الداعي إلى الدهشة أو خيبة الأمل: أن يكون موقف بعض السلفيين (حزب النور) من (الأخ الأكبر في مجال العمل السياسي الإسلامي: الإخوان المسلمين) متسمًا بهذا القدر من التسطيح إذ يرون في تفوق الإخوان مدخلًا لتوحشهم سياسيًّا كما تزعم وتروج التيارات العلمانية، وعلى رأسهم جبهة الخراب الوطني التي انساق إليها الحزب ونجحوا في استقطابهم إلى هذا التقارب.. وهذا الموقف المبدئي العدائي من التيارات العلمانية للتيارات الإسلامية، بل للإسلام كدين وكصبغة مجتمع وليس لأشخاص أصحاب هذه التيارات؛ هو موقف معروف سلفًا ومبرر في التحليل السياسي، أما غير المبرر أن يستدرج بعض السلفيين إلى هذا الموقف، بما يجعل المشهد السياسي يكاد ينطق بمغالطة بعيدة عن الحقيقة والواقع، بل بعيدة عن الدين، مغالطة مضمونها الانقسام بل العداء والقطبية ما بين تيارات الإسلام السياسي، سواء منهم الإخوان المسلمون أم السلفيون وعلى تعددهم داخل هذه التيارات. فالحق البازغ الذي لا مراء فيه أن التيارات الإسلامية – على اختلاف رؤاها وتنوع أفكارها – ينتظمها جميعًا ويؤاخي بينها الإسلام وشريعته الغراء بنبعيها الأصيلين: الكتاب والسنة، وأن اختلافها في فهم فروع الشريعة وفي تطبيقها لهذا الفهم، هو اختلاف تنوع وتعدد، يثري الحركة السياسية الإسلامية بما يصب في النهاية في صالح الإسلام والمسلمين سعة وتحصيلًا لمنافع الدين والدنيا.. فأصحاب هذه التيارات هم في نهاية أفق النظر الصحيح إخوة يجمع الإسلام بينهم جمع وحدة وتوفيق، أما من عداهم – على اختلاف ألوانهم ومنطلقاتهم الفكرية والسياسية – فهم ليسوا على نفس القرب منهم كما هم – أي الإسلاميين – قريبون من بعضهم .. وهنا يقف السؤال شاخصًا ناضحًا بشيء من الحيرة والارتباك: مع مَن يجب وينبغي على حزب النور أن يكونوا؟ وفي أي فسطاط يجب عليهم أن يقفوا؟ وبأي السواعد يجب أن يعتضدوا؟. لا شك أن إجابة هذا السؤال وكل ما يتفرع عنه من أسئلة هي إجابة واحدة حاسمة: أن بعض السلفيين – وغيرهم من أصحاب التيارات الإسلامية – لا يجب ولا ينبغي عليهم إلا أن يقفوا في الخندق ذاته والفسطاط نفسه الذي تظله راية الإسلام وتصبغه صبغة شريعته الغراء، وأي موقف يناقض ذلك هو ضرب في الصميم لقضية الولاء والبراء كما حسمها الفقه الإسلامي في كل عصور الإسلام فهمًا وتنظيرًا وتطبيقًا. نقول هذا ونقرره ونبثه إلى كل التيارات الإسلامية على السواء؛ لأننا نقف على المسافة نفسها منهم جميعًا، ولأن جوهر انتمائهم جميعًا هو جوهر انتمائنا ومنطلق هويتنا، ولأن الحرص على التوحيد بينهم – ولا نقول التقريب؛ لأنهم بالفعل قريبون – هو حرص على تطبيق ما وجهنا إليه ربنا سبحانه في كتابه العزيز، ورسوله الكريم – عليه الصلاة والسلام – في سنته المطهرة.. ولأن خطأ فادحًا، بل عيبًا مشينًا أن يعتضد من ينتمي إلى الفكرة الإسلامية أن يقف على النقيض من هذه الفكرة الجامعة لخير الدين والدنيا، وأيًّا كانت المسافة الواقف عليها: علمانية أم ليبرالية، أم اشتراكية أم قومية! ولا يعتضد بأخيه في الإسلام عقيدة وفكرة ومنهجًا.. لأن هذا التقارب والتحالف والتعاضد من أحد الإسلاميين بأحد من غير الإسلاميين، هو تباعد منه عن أخيه من الإسلاميين، تباعدًا لا يخدم إلا أفاعي السياسة من العلمانيين، ويضر بالنظرية الإسلامية في السياسة والحياة، والتي تقف { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا } علمًا عليها ومعلما على طريقها.