لا يطيب لي الكتابة عن أشخاص بالمدح أو بالذم لأنني أعتقد أن الأعلم بكل شخص هو ربه وحده الذي قال: "وهو بكل خلق عليم"، و إذا كنت مضطرًا اليوم للكتابة اليوم عن شخصية مصرية مازلنا نكن لها كل الاحترام والإكبار وهي شخصية الدكتور محمد البرادعي فإنني أضع على قلمي قيودًا كثيرة لأبقى موضوعيًا. ففي الوقت الذي كانت طائرة الرئيس تحلق في الهواء ولم تهبط بعض بمطار برلين حتى أطلق الدكتور البرادعي مبادرة حوار جديدة مستقلة تعمق خيبة أمل المواطن فيه جاء فيها: "نحتاج فورًا لاجتماع بين الرئيس ووزيري الدفاع والداخلية والحزب الحاكم والتيار السلفي وجبهة الإنقاذ لاتخاذ خطوات عاجلة لوقف العنف وبدء حوار جاد" و موضع الذهول هو تجاهل الدكتور البرادعي للحوار الدائر الذي دعا إليه رئيس الجمهورية وتجاهل البرادعي لما أعلنه الرئيس عن أنه لا يجد حرجًا أن يقوم بالاتصال بنفسه بأى رمز وطني بما في ذلك البرادعي نفسه وتجاهل البرادعي لدعوات رئاسة الجمهورية للبرادعي بأن باب الحوار دائمًا مفتوح و الدعوة مازالت دائمًا قائمة، إطلاق البرادعي لهذا الحوار دون عقد مؤتمر استشاري جديد للتشاور في إطلاق هذه الدعوة ووصف هذه الدعوة "بالفورية"، كما أن إطلاق هذه الدعوة عبر موقع "تويتر"، نقطة التقاء البرادعي مع وسائل الإعلام الأجنبية، له دلالته. ويلفت الانتباه أيضًا الدوائر التي يوجه لها البرادعي هذه الدعوة والتي تمثل بعض أركان السلطة التنفيذية والشعبية مع استثناء بعضها الآخر. إن البرادعي لم يقم بهذا الصنيع صدفة وإنما قام به قبيل هبوط طائرة الرئيس في ألمانيا ليرسل من خلال هذه التدوينة على موقع "تويتر" رسالة إلى السياسة الألمانية وإلى وسائل الإعلام الألمانية مفادها: "أنا هنا ولن أترك الشاشة الإعلامية الألمانية لمرسي". فالبرادعي شخصية مشهورة لدى السياسيين الألمان وبخاصة المعنيين بالسياسة الخارجية بما في ذلك وزير الخارجية الألماني فيستار فيللا، و تأتي هذه الشهرة من عمله السابق في الوكالة الدولية للطاقة الذرية كما تأتي هذه الشهرة بخاصة من النقاش الدولي للملف النووي الإيراني. و يدرك البرادعي أيضا أنه يحظى باهتمام الإعلام الألماني الذي أعطاه حوارًا صحفيًا شهيرًا اتهم فيه الأحزاب الإسلامية الصبغة في مصر بإنكار محرقة اليهود وغيرها من الحوارات ويستعين بعض الصحفيين الألمان بتدوينات البرادعي على تويتر لإنجاز مقالته الصحفية عن الوضع في مصر بسرعة دون الفحص الناقد لخلفيات هذه التدوينات. إن البرادعي أراد أن يظهر في لقاء الإدارة الألمانية بالرئيس مرسي على أنه ليس "مجهضًا" للحوار الوطني وإنما "داعيًا" لهذا الحوار و ليس أى حوار و إنما "الحوار الفوري" و كأن الرئاسة كانت من قبل قد تشبثت بالامتناع عن الحوار. و لذا فإن دعوة البرادعي للحوار لم تأت فقط لحفظ ماء الوجه أمام من يعرفونه خارج مصر.. و إنما لتحسين الصورة على أمل أن يأتي له المستقبل بشيء ما... (ترى أى شيء.؟) و يرى البرادعي أن تحسين هذه الصورة قد بات ضروريًا بعد أن أقرت وسائل الإعلام الألمانية في الأيام الماضية بأن البرادعي و إن كان مشهورًا عالميًا... ولكنه بلا شعبية عند من هم مصدر السلطات.. كما أنه ارتضى، بحسب وسائل الإعلام الألمانية نفسها، أن يصطف في صفوف الذين ارتضوا العنف و التطرف وسيلة من وسائل متابعة الأهداف السياسية. لقد جاءت دعوة البرادعي للحوار على تويتر هروبًا مرتعدًا إلى الأمام.. ولإحراج رئيس بلاده أمام الألمان وأمام العالم... بأن جبهة الإنقاذ (إنقاذ ماذا؟.. مِنْ مَنْ و بتفويض من من؟) صاحبة دعوة للحوار، وكأنه بات على القوى السياسية اليوم عقد المنافسات في تقديم أطروحات للحوار فقط وليس التحاور.. فهذا طرح للسلفيين... وذاك طرح للجماعة الإسلامية وهذا طرح لأبي الفتوح وأخيرًا وبعد رفض دعوات الحوار منذ أشهر هذا طرح للبرادعي وفيه هذه المرة مغازلة ضمنية جديدة للجيش بعد أن ألغى الجيش دعوته الأولى بأمر من قائده الدستوري الرئيس مرسي. إن المرء ليرى نفسه عاجزًا عن الدفاع عن الدكتور البرادعي ضد من يتهمه بأنه يلعب في مصر الآن دور عبد الله بن أبي سلول الذي دار في صراع محتدم مع قوة الحق في المدينة والذي قال الله على لسانه "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"، ويعلم الجميع إلى ماذا انتهى الحق وإلى ماذا انتهى عبد الله بن أبي سلول؟ إن الدكتور البرادعي لم يسلم بعد بالحق وبأنه الدكتور مرسي هو الرئيس البلاد الشرعي الذي لا منازع عليه وليس فهو يرى نفسه الرئيس الأفضل داخليًا والشريك المصري الأفضل خارجيًا، غير أن الداخل والخارج لا يتعامل مع المشاعر الشخصية والطموحات الفردية وإنما مع الواقع الديمقراطي الموثق. إننا ننتظر من الدكتور البرادعي قبل أن ينشط سياسيًا في عملية التحول الديمقراطي الثوري للبلاد أن يقوم بثورة حقيقة بداخل نفسه هو يصحح من خلالها صورته عن العالم وعن الواقع... لأنه قامة وطنية نتمنى ألا يحرم الوطن من الانتفاع بعلمه واتصالاته الخارجية.