منذ الحرب العالمية الأولى والعالم العربي والإسلامي يعيش حالة من النزوع نحو الدفع عن المشروع الغربي الكبير، الذي زرعه الغرب وأعوانه في الأمة منذ سايكس بيكو وبعده، فالتمزيق وزرع الكيانات وتغيير الهويات وتبديل الثقافات، واستعمار الأرض كلها تدل على حماية للنظام العالمي، وتمزيق الأمة وجعلها أمة ممزقة مشلولة عاجزة عن العمل والأداء الصحيح، كلها كانت نتيجة حتمية لذلك الوضع الذي تشكل بعد سايكس بيكو!! و قد ساهمت عوامل عدة في نجاح المشروع، منها داخلي، وآخر خارجي، مثل الحكومات المنصبة والمحمية من قبل الغرب وأمريكا، ومنها العمائم التي تقتات على موائد السلاطين لحمايتهم والدفاع عن كياناتهم، ومنها القوة المفرطة التي تستخدمها هذه الدول لمن فكر أو حاول الخروج عن سلطتها وطوعها، كما حدث في العراق وأفغانستان و دول أمريكا اللاتينية، و دول شرق آسيا وغيرها، فالنظام العالمي قد حدد دائرة لا يخرج أحد عن نطاقها، وكما صنف د.أحمد داود أوغلو الدول، من حيث (جهة وضعها في النظام الدولي، حسب قدرتها الاستراتيجية وقدرتها على المناورة السياسية، إلى أربعة أصناف: الدول العظمى، والدول الكبرى، والقوى الإقليمية، والدول الصغيرة... فالدول الكبيرة مضطرة لأن تأخذ بعين الاعتبار المخططات الاستراتيجية للقوى العظمى،...أما القوى الإقليمية فلا يمكنها تطوير سياسات في حساباتها الاستراتيجية والتكتيكية دون أن تأخذ بعين الاعتبار الخطوات التكتيكية للدول العظمى من جهة، وللدول الكبرى من جهة ثانية!...) ص96، العمق الاستراتيجي، وأسهب في هذه النقطة المهمة جدًا والمثيرة جدًا! وهكذا، تشتد الوطأة على الأمة، ويحاول هؤلاء تجريدها من كل منطلقات القوة والوحدة، ويساندها في ذلك أذرع الدول الكبرى وبعض القوى الإقليمية! هذا المشروع الكبير، لا شك أنه أسقط الأمة في أحضان الغرب وأعوانه، وشل حركتها، وقلل فاعليتها، واستنفذ خيراتها وعطل طاقاتها، وجعلها خدمة لمشروعه الخاص، بما يمتلك من أدوات كبيرة، وخطيرة، من مراكز بحث، وتخطيط ورصد وميزاينات وعمل دءوب، ليس آخرها مؤسسة راند. هذا المشروع الغربي الخطير، والفاعل في الأمة، لم يأت من فراغ، بل كانت خطط، ومخططات ودراسات ورجالات، وهكذا، وما من شك أن هذه اللحظة الجديدة في الأمة، لحظة مناسبة لبدء العمل الجاد للتخلص من إحكام القبضة، بمشروع أممي إسلامي كبير! فلا بد من وجود مشروع منافس وقوي، يستطيع أن يحرر الأمة، و يطلق عنانها ويفك أسرها من هذا الطغيان، كانت هناك بعض المشروعات التي قاومت هذا التوجه الخطير، مثل التوجه الجهادي الذي لو استمر مقاومًا للطغيان واستطاع استيعاب الخط السياسي لتحول أمر الأمة، ولكن إلغاء الآخر، والتمادي في الاستهانة بالدماء، والفتاوى الداخلية الخاصة، ومحاربة العلماء للمشروع، جعله مقتصرًا على نمط خاص، مع ما استطاع هذا المشروع من وضع العصا في دولاب الغرب وبخاصة الأمريكان ومحاولة التقليل من سرعتهم في تدمير الأمة، بل وجعلهم ينشغلون مرتدين ببعض قضاياهم! المشروع الجهادي (القاعدة)، لا بد أن يغير ليكون مشروع الجهاد في الأمة، وليتخذ الإطار العام ل(المشروع الكبير لمقاومة العدوان)، ويتداخل معه الخط الفكري والثقافي والسياسي، فلا يمكن أن تنهض الأمة بالقتال فقط، ويختزل الدين بذلك، بل لا بد من توافر السياسي والفكري والوعظي وغيرها من الخطوط، بحيث تتوازى الخطوط، ولا تتقاطع إلا لما يزيد من رفعة وتوجيه، وتعديل مسار الأمة، ولخدمتها! لقد لعب الغرب وصال وجال في مقدرات الأمة، ولابد من مشروع للمقاومة، وخاصة والأمة تستعيد شيئًا من عافيتها من خلال تساقط الديكتاتوريات العربية واحدة تلو أخرى، ولم يعد في الوقت متسع، فلا بد من التسارع لبناء هذا المشروع الإسلامي الكبير، الذي سيصيب العدو مقتلًا، وسيحاربه الغرب وأزلامه، ولكنه إن أصبح مشروعًا عامًا، فهنا ستكون المقاومة من قبل الأمة، وليس من قبل جماعات وأشخاص، بل الأمة ستقبل عليه منتفضة دفاعًا عن حريتها وكرامتها ووجودها وهويتها ودينها. إن الاستفراد بالقرار عن الأمة من أي جهة كانت لهو جريمة كبرى في حق هذا الأمة، ودعوة للتمزق والانشطار، فلا بد من الوعي، ولا بد من المحاورة، ولا مناص من العمل السياسي المنظم والكبير والعميق، ونشر الوعي في صفوف الأمة وبين شبابها، وهذه لا تقوم بها جهة واحدة، وإنما جهات متعددة تتفق على هذا المشروع الإسلامي الكبير، ليقف ضد مشروع الشرق الأوسط الجديد، وضد دعوات التغريب و تحويل الأمة والفت في عضدها! إن الأخطاء الاستراتيجية ، لا ينبغي أن تتكرر، فقد جرت على الأمة ويلات ومحن، بل كوارث وأزمات، ومعلوم أن الذين يحكمون ويخططون ليسوا هم المجاهدين، بل السياسيون الذين يعرفون اللعب ولديهم خططهم الواضحة التي تحكمها مراكز البحوث الفكرية والسياسية! إن مشروعًا كهذا سيقاوم المشروع الغربي ومثيلاته، لهو جدير بأن تشترك فيه كل الأمة، من أحزاب وجمعيات وأفراد، ومؤسسات وتجار بنوك، لأنه مشروع القرن، ولأنه الخلاص الوحيد من ربقة الدول الغربية والاستعمارية، وقد تبدو المسافة كبيرة طويلة، ولكن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة فقط!