ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية إن سياسات الأنظمة العربية يمكن القوله إنها تستند إلى العقلية الاعتباطية التي وفقا لها تشعر هذه الأنظمة بأنها تسيطر على كل شيء، حتى وإن كانت في حقيقة الأمر لا تفعل ذلك. وأكدت أن هذا هو السبب في الفوضى التي تسود الدول العربية عندما تتجه حكوماتها نحو الإصلاح. وقالت إن مصر تعد مثالا واضحا على تلك العقلية الاعتباطية، مشيرة إلى أن النظام الحاكم في مصر في نفس الوقت الذي يحاول فيه الانفتاح، فإنه يشعر بالقلق من تخفيف قبضته على السلطة. ودللت الصحيفة على وجهة نظرها بالإشارة إلى كلمة الرئيس مبارك التي أدلى بها في أبريل الماضي والتي تحدث خلالها عن الحاجة إلى التحديث والتطوير والحفاظ على روح العصر، حيث، على حد قول الصحيفة، أطلق العبارات الطنانة مثل حرية الرأي والمشاركة السياسية. وقالت الصحيفة إنه، أي مبارك، منذ ذلك الحين، أوقع نفسه في مشكلات أكثر تعقيدا، حيث اختفى الحديث عن الإصلاح السياسي فيما بعد واكتفى بالحديث عن الإصلاحات الاقتصادية وذلك خلال المؤتمر الذي عقده الحزب الوطني في الخريف الماضي. ورأت أن الإصلاحات الاقتصادية في حد ذاتها تعد حساسة بالقدر الكافي، إلا أن هذه الإصلاحات، على حد تعبير الصحيفة، أصبحت مثيرة للجدل بسبب نجل الرئيس جمال مبارك والمقربين إليه في الحكومة والذين أصبحوا مسئولين عن هذه الإصلاحات، خاصة في ظل الاعتقاد السائد بأن تلك الإصلاحات إنما جاءات كطريقة لتهيئة جمال لخلافة والده. وقالت الصحيفة في تحليل لها بعنوان "الخوف من إطلاق الحريات" إن إدراك مبارك أن الطريقة التي يتم بها اختيار الرئيس في مصر أصبحت بالية، فضلا عن المظاهرات العلنية، دفعته هذه العوامل إلى القبول بوجود أكثر من مرشح في الانتخابات الرئاسية. ورأت أنه رغم الترحيب الذي قوبل به قرار مبارك بتعديل الدستور للسماح لأكثر من مرشح في انتخابات الرئاسة، إلا أن هذا القرار كرس للشك حول مدى جدية الرئيس المصري بشأن الإصلاح، خاصة وأن الذين أعلنوا ترشحهم لانتخابات الرئاسة، رغم انعدام فرصة النجاح، تعرضوا للتشهير وتشويه السمعة. وقالت إن الطريقة الوحيدة لتفسير سلوك النظام المصري هي إستناده إلى العقلية الاعتباطية. ووصفت تعديل الدستور بالشروط التي وضعها مجلس الشعب بأنه سلبي بل وغير ذي فائدة، مشيرة إلى أنه وفقا للتعديلات الجديدة فإن الكل يوافق على أن مبارك، بدون التزوير التقليدي، سوف يظل يفوز بأغلبية كبيرة. وأشارت إلى أن الاستفتاء الذي أجري في مصر على التعديلات الدستورية كانت نتيجته معروفة مسبقا. وفي تعليقها على المظاهرات التي سادت شوارع القاهرة في الآونة الأخيرة، قالت الصحيفة إن سيناريو السلطات المصرية في التعامل مع هذه المظاهرات تمثل في السماح لها بالحدوث، ثم ادعاء أن قلة هم الذي يشاركون فيها وأنها جزء طبيعي من العملية الديمقراطية. واعتبرت الصحيفة أن الاعتداءات التي وقعت ضد المتظاهرين في يوم الاستفتاء دربا من الغباء، بل واعتبرت أن الأكثر غباء من ذلك قيام وزارة الإعلام المصرية بحظر توزيع مجلة "كايرو مجازين" رغم أن الأغلبية من المصريين لا يعرفون اللغة التي تصدر بها هذه المجلة وهي الإنجليزية. وقالت إن هدف وزارة الإعلام من حظر المجلة يظل لغزا محيرا، خاصة وأن التأثير المتوقع لهذه الحظر هو تعزيز الشكوك تجاه هذه الحكومة. مؤكدة أن مثل هذه السلوكيات الغريبة لا تخدم الإصلاح من الناحية العملية بل وتعيق، بحسب وجهة نظر الغرب، التحرك نحو الإصلاح.