هو وَجْه يحيى عياش يُطل من نافذة الذكرى وعلى كتفيه الشال، تشغلني هذه الملامح وتستفزني لدراستها؛ جَبين صَارم ونظرات حَادة وصمت وَقور يغذى الشعور بالمَهَابة والجَلال والحنين، هي وسامة رُجولية فى وجه طفولى مُحير، كبُر فى ساحِ النضال ورضع من ثدي البطولة. ما هذا القرف! لا يذكر إعلاميونا شيئًا فى الذكرى عن وجه يحيى وملامحه، إنما مشغولون هم بوسامة باسم يوسف النسائية وحواجبه المتحركة. تهريج أنسى الجميعَ تقريبًا ذكرى استشهاد البطل الذى أحبه، والذى صدر الموت للصهاينة بابتكاره الاستشهادى الذى استوحاه من سيرة البراء بن مالك والحسين بن على. "المهندس" لقب أطلقه رابين على عيّاش، وبالفعل أثارَ "الدكتور" باسم يوسف إعجاب الصهاينة؛ لكن الفارق هائلٌ؛ فالأسطورة عياش الذي اخترع من مواد أولية عادية فى الأرض والصيدليات مواد مُتفجرة أصابت الصهاينة بهوَس الرعب، وانتفض الشاباك بكل قواه وعملائه لمطاردته، وتصدرتْ صوره نشرات الأخبار والصحف وصارَ حديث العالم؛ فقد صارَ هاجسًا مُرعبًا لجميع الإسرائيليين، لدرجة أن رابين نفسه قال: "أخشى أن يكون عياش جالسًا معنا فى الكنيسيت الآن"، واعتبره عدوًا شخصيًا له! هذا البطل أثار إعجاب الصهاينة، لكنه إعجاب من لون آخر؛ عندما يجد أحدهم نفسه مضطرًا للاعتراف بعبقرية عدوه، فقد قال شمعون رومح أحد قادة إسرائيل العسكريين: "إنه لمن دواعى الأسف أن أجد نفسى مضطرًا للاعتراف بإعجابي وتقديري بهذا الرجل الذى يبرهنُ على قدرات وخبرات فائقة فى تنفيذ المهام المُوكلة إليه وعلى قدرة فائقة فى البقاء وتجديد النشاط دون انقطاع"، هنا بعض المشايخ وأصحاب الظهورات فى الفضائيات لا يعنيهم جهاد الأمة ونقل تاريخ رموزها للأجيال، فقط تسْتهْويهم براعة باسم يوسف فى السُخرية بهم وحرفيته فى تحريك حَواجبه! وقد أثنى عليه الصهاينة وأعربوا عن سعادتهم البالغة بما يقدمه، وقد تلقى تهنئة لطيفة من أفيخاى اردعى على جهوده فى تويتة يقول فيها: "هتلر صانع محرقتنا تلميذ فى مدرسة الإخوان سيد باسم، إنهم أعداؤنا وأعداؤكم، يدكم فى يدنا لنقضى عليهم ونعيش جميعًا فى سلام"، وفى حلقة أفيخاى سخر باسم من مسيرات الحماسة وهتافات النصرة لحماس وللمجاهدين والمقاومين بفجاجة وتدنٍ؛ كانت المسيرة والهتافات تذكرنى بيحيى عياش وبالرجولة والبطولة وبتاريخ المناضل؛ صورته بالشال ونضاله وعملياته النوعية وكلماته ومشهد جنازته، وقبلها مشهدُ اغتياله فى مثل هذه الأيام وتحديدًا يوم 15 يناير عام 1996م. ما هذا الهزل؟ باسم يوسف أم يحيى عيّاش؟! باسم لا يذكرنى بيحيى؛ فلا رابطََ هنا بين مُناضل أتعبَ وأفزعَ وأوجع الصهاينة، وبين مُهرج أسعدهم، إنما ذكرني بكمال حماد! وفى نفس الحلقة وجدته – ويا للخبث – قد استدعى فيديو قديم لرئيس الجمهورية وهو يصرح بكراهية الصهاينة واليهود؛ لا ليسخر منه فقط إنما ليرسله هدية لأصدقائه من الأمريكان والإسرائيليين الذين يتابعونه بشغف، لاستخدامه كورقة ضغط لحصار مرسى دبلوماسيًا. وكمال حماد هذا – بلغة الفلسطينيين – هو المتعاون الفلسطيني الذى ساعد الشاباك فى الإجهاز على البطل الكبير الذي دوخ الصهاينة لسنوات، فى عملية نوعية شهيرة كانت حديث العالم كله، عندما استطاع حماد لقربه من الشخص الذى استضاف عياش فى غزة، أن يساعد فى زرع عبوة ناسفة فى هاتفه النقّال، وكان المتفق عليه أن يتلقى مكالمة فى الصباح من والده على الهاتف المنزلى فقطعوا الخدمة الأرضية فاضطر لاستقبالها من النقّال، ليتم التفجير. ما يهم هنا هو مصير "المتعاون" كمال حماد – والمتعاونون أنواع وطبقات ودرجات – فقد حُكم عليه بالإعدام ومصادرة ممتلكاته وهرب إلى أمريكا وتخلت عنه إسرائيل، وهناك تدهورت حالته المادية فلم يجد ثمن إيجار الشقة ولا ما يشترى به خبزًا لأولاده، يقول فى تصريح لمعاريف: "لقد قتلتني إسرائيل التي خدمتها وقدمتُ حياتي من أجلها والآن تريد أن تدوس على الجثة". وتلك –كما قال الفلسطينيون وقتها– "نهاية كل كلب باع ضميره وخان شعبه وفقد شرفه". [email protected]