ما من أحد يلتحق بوظيفة إلا وكان شرط لياقته الطبية ضروريا لتعيينه. سواء أكانت الوظيفة بالقطاع العام أو الحكومى أو الخاص وسواء صغرت الوظيفة أم كبرت. عاملا فى مصنع أو ملحقا دبلوماسيا. بل إن الالتحاق بالكليات العسكرية يتطلب دائما اجراء الكشف الطبى على المتقدم للتيقن من لياقته كشرط لقبوله. ومن جهة أخرى فإن عددا من الوظائف يحتاج إلى مواصفات خاصة فى شاغلها تحتاج من ثم إلى لياقة طبية تزيد على المعتاد بالنسبة لطلاب الوظائف العادية. كالالتحاق بكلية الطيران مثلا لأن قيادة طائرة تختلف عن قيادة مجموعة صغيرة من الأفراد فى وحدة عسكرية. وكذلك وظيفة الملحق الدبلوماسى فباعتبار أن الأخير معرض للعمل بعد تعيينه فى مناخ وأجواء مختلفة بعضها شديد الحرارة وبعضها شديد البرودة فى الدول المختلفة فإن حالته الصحية يجب أن تكون بدرجة أعلى من الحالة الصحية لموظف سوف يلتحق مثلا بمصلحة الشهر العقارى محصور مكان عمله بين الاسكندرية وأسوان. ومن جهة ثالثة فإنه حتى إذا ثبتت اللياقة الطبية فإن هناك قاعدة علمية وطبية تجعل شغل بعض الوظائف لفترة محدودة لا تزيد عليها أبدا، فالمترجم الفورى مثلا يصاب باجهاد شديد أثناء عمله حتى أنه من المتعارف عليه أن مدة الترجمة محدودة لفترة زمنية وبعدها يستبدل بآخر، إذا يستمع المترجم إلى المتحدث بلغة يتقنها وعليه فى ثوان معدودات أن يستوعب ما قال وأن يترجم الكلام فورا إلى لغة أخرى. وهو ما يؤدى إلى اجهاد شديد لمخ الإنسان. وأعرف زميلا استقال من عمله بوزارة الخارجية وعمل مترجما فوريا بالأمم المتحدة. وورغم أنه يصغرنى فى السن بعدة سنوات فإنه عندما سعدت بلقائه مصادفة فى عاصمة دولة كنت أعمل بها فوجدته قد كبر فى السن عشر سنوات على الأقل عن عمره الفعلى بل أصبح هرما إلى حد أزعجنى. وقد علمت أنه طبقا للقواعد المعمول بها سوف يبقى فى هذه الوظيفة لفترة وبعدها سينتقل ولعل ما ذكرته آنفا قد جال بخاطر الأستاذ عدنان كامل زيادة الذى كتب مقالا ووقعه بهذا الاسم فى صحيفة العربى فى العدد الصادر بتاريخ 22 مايو 2005 تحت عنوان اللياقة الطبية لمرشحى رئاسة الجمهورية.. أشار فيه إلى أن الحديث قد كثر والكثيرون قد كتبوا عن الضمانات والشروط الواجب توافرها فى المرشح لمنصب رئاسة الجمهورية. وعبر عن اعتقاده أن اللياقة الطبية ذهنيا ونفسيا وجسديا يجب أن تكون من أولويات الشروط الواجب توافرها للترشح لهذا المنصب . إذ لا مجال لرئيس بحكم تقدمه فى السن وهى سُنة الحياة أصابته أمراض الشيخوخة وتصلب الشرابين حتى أنه لا يستطيع أن يتذكر بوضوح وقائع شارك فى صنعها وهو بطيء الحركة بطيء رد الفعل وهو ليس عيبا فيه ولكن حكم تقدم السن والزمن. لا مجال لمثل من كان هذا حاله أن يترشح لهذا المنصب. ولعل المقال المشار إليه قد أصاب ارتياحا لدى الذين يدعون إلى ترشيح جمال مبارك داخل الحزب المسمى بالوطنى بل ربما داخل أسرة الرئيس ذاتها. إذ لم يعد خافيا على أحد أن هناك صراعا حول توريث الأستاذ جمال وصل إلى أعلى مستوى يرى أن يلى جمال هذا المنصب فى حياة والده وليس بعد عمر طويل للرئيس بعدها. ،ولأصحاب هذا التوجه مبرراتهم التى لا ترى سوى مصلحتها الشخصية وتصرف النظر تماما عن الصالح الوطنى. على أنه بعيدا عن أطراف هذا الصراع الذين لا يرون فى مصر سوى أنها عزبه ومن ضمن ممتلكاتهم الشخصية القابلة للتوريث وفى حكمها فإنه من المؤكد علميا أن أقصى عمر لصلاحية تولى الوظائف المهمة لايزيد أبدا على سن الخامسة والستين. القضاة فقط تقريبا وبعدها لا يجوز لشخص أن يتولى وظيفة أيا كانت. إذا الحقيقة العلمية تؤكد أنه متى بلغ الإنسان هذه السن فإنه يفقد الكثير من صلاحيات بدنه وبالتالى يفقد الكثير من قدرته على العلم. فإذا كان العمل الذى يتولاه على درجة كبيرة من الأهمية فإنه بالأولى يكون غير قادر على تحمل أعبائه بالكفاءة الواجبة ومن ثم يجب تنحيته. ورئيس الجمهورية الحالى بلغ سن السابعة والسبعين. أى أنه تعدى أقصى سن يسمح فيها بتولى الوظائف العامة باثنى عشر عاما بالتمام والكمال....!! ولا يقدم الرئيس مبررا لذلك سوى انجازاته على مدى أربعة وعشرين عاما التى وصفها بالمهولة..!! وحتى إذا كان هذا صحيحا وهو طبعا غير صحيح فإنه لا يصلح مبررا يلغى اللياقة الطبية التى لا يمكن أن تتوافر لمن بلغ هذه السن، ولا يصلح مبررا أيضا أن بعض حكام دول وامارات الخليج مازالوا فى مناصبهم رغم أنهم أكبر منه سنا.. وأنهم أمضوا فى الحكم ثلاثين عاما أو يزيد. فمصر ليست دولة خليجية وإن كانت فى سياستها قد اقتربت من ذلك. ثم لماذا التمثل بدول الخليج العربى وليس بالدول الأوروبية والغربية عامة التى استقرت من منطلق علمى ومنطقى طبى على أن سن التقاعد هو سن الستين. وأستقرت أيضا على أن بقاء رئيس الدولة فى منصبه لا يجب أبدا أن يزيد على عشر سنوات، وهذه مسألة أخرى جديرة بالاهتمام بها ووضعها موضع الاعتبار. لأن بقاء رئيس الدولة فى منصبه لأكثر من عشر سنوات يؤدى هو الآخر إلى مضار سياسية تعود بأوخم العواقب ربما بأكثر من المضار التى تترتب على بقائه فى منصبه بعد تعدى سن الستين. إذ يتحول النظام الجمهورى الديمقراطى إلى نظام ملكى مستبد، وتنشأ مراكز قوى تسعى للبقاء فى مناصبها ولو على حساب المصلحة العامة. كما نرى ونشاهد فى بعض دول القارة الأفريقية البعيدة كل البعد عن الرقى والحضارة. ولماذا تختار أسوأ النماذج للتمثل بها واتباع نهجها سواء الخليجية أو الأفريقية؟؟ لماذا نتجاهل مثلا أنه رغم كل ما حققه تشرشل لبريطانيا فى الحرب ضد المحور، فإنه فى أول انتخابات عامة سقط تشرشل رغم انجازاته المهولة. والتى هى مهولة فعلا لا قولا. هناك يقينا سر ما وراء إصرار الرئيس على الترشح لولاية خامسة. وهذا السر لا يكمن فى إدمان السلطة فقط ولكن فيما هو أخطر، وهذا السر هو الذى يراد له أن يبقى طى الكتمان. وهو سر يزكم الأنوف ولا أزيد. ------ صحيفة العربي المصرية المعارضة في 20 -6 -2005