سبب فتح مكة هو نقض بنى بكر وقريش، للبند الثالث فى معاهدة "صلح الحديبية"، فلقد جاء فى معاهدة الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش أنه: "من أحب أن يدخل فى عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل فى عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وتعتبر القبيلة التى تنضم إلى أى من الفريقين جزءًا من ذلك الفريق، فأى عدوان تتعرض له أى من هذه القبائل يعتبر عدوانًا على ذلك الفريق"، إذ قام نفر من رجال بنى بكر بمساعدة قريش ذات ليلة، وهاجموا خزاعة الذين دخلوا عهد الرسول عليه الصلاة والسلام. وهم نائمين آمنين مطمئنين، فقتلوا منهم عشرين رجلًا، وعليه خرج جمع من بنى خزاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة يخبروه بما حدث، فأجابهم الرسول واعدًا إياهم بنصرتهم. حاولت قريش بعد ذلك أن تجدد الصلح وتمد الهدنة، فأرسلت أبو سفيان إلى المدينة لعرض ذلك، إلا أنه لم يلق أية استجابة، فعاد إلى مكة يحمل الفشل فى مهمته على رأسه ووجهه. أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بالاستعداد والتجهيز للخروج، وتم ذلك فى سرية شديدة، حتى حان يوم الخروج، وكان يوم الأربعاء 11 من رمضان سنة 8ه (الموافق 3 يناير سنة 629م)، واستخلف الرسول صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا رهم الغفارى (كلثوم بن حصينى بن عتبة). مضى الرسول صلى الله عليه وسلم فى جيش من عشرة آلاف من المجاهدين المسلمين، وهم صيام حتى وصلوا بئر الكديد، فأفطر رسول الله وأفطر أصحابه معه، ثم واصل المسلمون زحفهم حتى وصلوا إلى "مر الظهران" بالقرب من مكة يوم الاثنين 16 رمضان (8 يناير) وكانوا عشاءً، فأمرهم الرسول بإشعال النيران، فأوقدوا عشرة آلاف نار، وكان أبو سفيان قد خرج من مكة يتحسس الأخبار هو واثنين من رجال قريش، فلفت نظره هذه النيران الواسعة فقال محدثًا صاحبه: "ما رأيت كالليلة نيرانًا قط ولا جندًا"، فسمعه العباس عم الرسول الذى كان يتمشى فوق بغلة رسول الله فتحادث معه، ثم صحبه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وهناك أعلن أبو سفيان إسلامه. واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيره حتى انتهى إلى وادى "ذى طوى"، وهناك قسم جيشه، فجعل خالد بن الوليد على الميمنة، وجعل الزبير بن العوام على الميسرة، وتحركت كتائب الجيش الإسلامى فدخلت مكة من شمالها ومن جنوبها، فى يوم 20 رمضان سنة 8 ه، الذى وافق مثل هذا اليوم من عام 629م، ودارت عدة معارك صغيرة بين الجيش المسلم وعدد من سفهاء قريش، وقتل من المشركين 28 نفرًا، ومن المسلمين ثلاثة. وقام الزبير بن العوام برفع راية رسول الله صلى الله عليه وسلم فى "الحجون" عند المسجد الحرام، وظل فى مكانه لم يبرحه حتى أتاه الرسول وحوله المهاجرون والأنصار، فقصد الحجر الأسود، واستلمه، ثم طاف بالبيت وكان فوقه 360 صنمًا، فجعل يطعنها بقوسه وهو يقول: "جاء الحق وزهق الباطل * إن الباطل كان زهوقا" وأزال كل ما وضعه المشركون فيها من صور، ثم أمر بلال أن يؤذن فصعد بلال فوق ظهر الكعبة وأذن للصلاة، ثم أقبل أهل مكة يدخلون فى دين الله أفواجًا.