في الإعلام المصري حاليًا اثنان من الأراجوزات يمارسون هرجهم وهزلهم من خلال برامج شهيرة في الفضائيات، ويتعرضون للشؤون السياسية بطريقتهم الهزلية ويسخرون من مشاهير الساسة والأحزاب بل ووصلوا إلى علماء الدين، والقاسم المشترك بينهما هو الكم الرهيب من البذاءات والابتذال والإيماءات الخارجة التي تحتويها برامجهما. الأراجوز الأول يدعى باسم يوسف، يراه البعض خفيف الظل جدًا ويراه البعض الآخر العكس تمامًا، تخصص في الهجوم على تيار الإسلام السياسي، ويرى أن من حقه أن يسخر من تيار واحد طالما أن هذا التيار هو تيار الأغلبية وأنه يستخف بالمعارضة –على حد وصفه- كما يتمادى باسم يوسف فيسخر من عدد من العلماء والمشايخ المسلمين، ولما تحفظ البعض على التركيز على رجال الدين المسلمين دون غيرهم من الديانات الأخرى أجاب: لأنني مسلم وليس لي علاقة بغيري، وهو بهذا يكرس لخطاب تقسيم الوطن، فالمفترض أن برنامجه يشاهده الجميع وهو يتحدث عن الجميع، فمن أين جاءت: لا أتحدث إلا عنا (نحن)!! ، كأن الشعب أصبح شعبين، فإذا قارننا هذا الخطاب بخطاب سياسي إسلامي مثل الشيخ حازم أبو إسماعيل عندما يتحدث عن المسيحيين وجدنا أن خطاب باسم يوسف في الواقع تقسيمي جدًا مقارنة بأي خطاب آخر للإسلاميين، مما يدل أن العلمانيين وليس الإسلاميين هم الذين يقسمون هذا الوطن بالجور على طائفة واعتبار طائفة أخرى (غير قابلة للمساس) (Untouchable)، وإيصال هذه الرسالة قولًا وفعلًا للجميع!!. والأراجوز الآخر ممثل هو هاني رمزي، وهو يقدم برنامجًا هزليًا بدأ هو الآخر يجنح إلى السياسة وبنفس التوجه بالضبط، الهجوم على التيارات السياسية الإسلامية ورموزها السياسية بل والمشايخ الدينيين (المسلمين طبعًا)، ووصل به الإسفاف أن استضاف أحد أراجوزات السياسة الذي أحضر معه خروفًا في الاستوديو وجلسوا يتضاحكون ويتغامزون على الإخوان، ولماذا يقتصر هاني رمزي على هؤلاء دون أن يتعداهم للسخرية من نظرائهم من التيارات ورجال الدين من الديانات الأخرى، فالإجابة هنا بسيطة وعكسية تمامًا لحالة باسم يوسف، فهاني رمزي مسيحي، ولا تطالبوه بأن يهاجم رجال دين يقدسهم ويقبل أيديهم!!، أما رجل الدين المسلمين فلا بأس!!. وكان دفاع البعض عن هذا الوضع الشاذ لأراجوزات مصر أن المشايخ المسلمين تداخلوا في السياسة فدخلوا بهذا في معترك هذا حاله، والرد على هذا أن الكنيسة المصرية ورجالها هي أكثر مؤسسة دينية تداخلت في السياسة في العقود الماضية، في عهد الراحل البابا شنودة الثالث وامتدادًا في عهد خلفه البابا تاوضروس الثاني، وهاهم يدخلون اللجنة التأسيسية وينسحبون منها، ويصرحون ويدافعون ويهاجمون ويناقشون مواد الدستور- حتى منها التي لا تتعلق بشؤونهم الدينية - تمامًا كأنهم حزب سياسي وليست مؤسسة دينية روحية بحتة، وأما عن رجالها فتستطيع ببحث صغير على النت أن تجد مئات المواقف والتصريحات السياسية لبابا الكنيسة وسلفه وأساقفتها وقساوستها أكثر من أن تحصى!. وكان دفاع البعض الآخر عن هذا الوضع أنه بعض المشايخ المسلمين زلت ألسنتهم بالكثير ووقعوا في العديد من التصريحات التي أساءت إليهم وإلى الإسلام، فهم المسؤولون عن سخرية الآخرين منهم وليس الأخرون هم المسؤولين، والرد أن هذا الكلام – لو سلمنا به ولا نسلم به إلا جزئيًا- ينطبق تمامًا على الحالة المسيحية، فالعديد من رجال الدين المسيحيين وقعوا في مثل هذا وأكثر، ومازلنا نتذكر القس ماتياس نصر عندما توعد محافظ أسوان بأنه (سيقتل قتلة شنيعة إذا لم يستقل خلال يومين)، والقس فلوباتير الذي قال إنه سيقتحم ماسبيرو، هذا غير تصريحات الأنبا بيشوي أن المصريين ضيوف على المسيحيين في مصر، وغيرها عشرات المواقف، ألا يمكن استخراج إسكتشات ساخرة من هذا كله!!. وإذًا فإن المحصلة التي تخرج بها من ترصد وسائل الإعلام بخيلها ورجلها وجدها وهزلها بالتيار الإسلامي وحده دون غيره، وبالمشايخ المسلمين وحدهم دون غيرهم وتبريرهم لذلك بمبررات لا تصمد أمام أي مناقشة، نخلص من هذا أن المسلمين أصبحوا كالأيتام على مائدة اللئام، وأنهم أصبحوا كالكلأ المباح لكل دابة إعلامية فهي ترعى فيه آمنة مطمئنة آكلة متمخضة، بينما الآخرون في حمى منيع لا تقرب دواب الإعلام كلأه. [email protected]