التصريحات المثيرة التي أعطاها الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب للصحفيين في " دردشته " مع وفد النقابة تشعرنا بأنها وصية " مودع " ، وأن التقارير المنشورة والتي تفيد بصدور قرارات جمهورية بتعيينه في مناصب معينة قد وصلته دلالتها كما وصلتنا تماما ، ولكن الأهم والأبقى من سرور ووداعه هو ما كشفت عنه كلماته من أن الصحفيين المصريين كانوا ضحية عملية نصب سياسي ودجل شاركت فيها أطراف كثيرة في السلطة ، تعطيك من طرف اللسان حلاوة وتروغ منك كما يروغ الثعلب ، حسب تعبير سرور نفسه عن بعض شركائه في كعكعة السلطة ، وأكثر من ذلك فهي تكشف عن خطورة الحديث عن حقوق المواطنين بلغة الوعود وكلام رجاله يا جدعان ، فما كشف عنه سرور من أن نفس من أعطوا الوعود بصدور قانون بإلغاء حبس الصحفيين في قضايا النشر ، هم أنفسهم الذين أصدروا توجيهات غامضة بوقف أي تحرك في هذا الشأن تؤكد لك المعنى بما يكفي ، والحقيقة أننا كنا نستغرب ، وقت أن كنا في سكرة الوعد الكاذب ، كنا نستغرب : كيف يوجه رئيس الجمهورية بإصدار قانون ثم توجد قوة أخرى أخطر منه وأمضى توقف توجيهاته وتعطلها صراحة ولشهور طويلة ، عندما أراد رئيس الجمهورية تم تمرير قوانين في ليلة وضحاها ، بل في ليلة من غير ضحاها أصلا ، فلماذا عطلوا توجيهات سيادته في قانون الصحافة ، حتى علمنا من ناظر التشريع نفسه ، بأن من أصدر التوجيهات هو الذي طلب تعطيلها ، هل وصلت الرسالة للصحفيين ، بل هل وصلت الرسالة إلى كل القوى السياسية الحية في هذا البلد ، إن على الجميع أن يتضامنوا من أجل " انتزاع " الحقوق والحرية ، ولا ينتظرون من أحد ، أيا كان ، وعودا أو كلام رجالة ، وعلينا جميعا أن نتضامن مع هبة الصحفيين الشباب الأبطال الذين يعتصمون الآن ، وبعضهم دخل في إضراب عن الطعام ، لأن هؤلاء لا يخوضون قضية فئوية أو حتى نقابية ، وإنما هم يتقدمون في معركة الوطن بأكمله ، وطن يبحث عن الحرية والأمن والكرامة ، وصحيح أن حرية الصحافة ليست هي كل الحرية التي يطلبها المصريون ، ولكنها بكل تأكيد هي مفتاح الحرية ومدخلها الرئيسي ، ولا بد من رسالة قوية واضحة لهذه النخبة الفاسدة التي تقود البلد إلى الهلاك ، بأن التلويح بالسجون ولغة القمع والتحريض عليه والتآمر على الحريات العامة ، لم تعد تخيف أصحاب الرأي والقلم في بلادنا ، ومن ينظر في عيون الصحفيين والمثقفين الأحرار هذه الأيام يرى تصميما وعزما وجسارة لم يرها منذ زمن طويل ، وهذا وحده هو الوعد الصادق والأكيد الذي يحمله المستقبل لمصر وشعبها .