شغل خبر ارتداء الفنانة حنان ترك الحجاب ، غالبية الصحف العربية والمصرية ، وكأنه حدث كبير ، وليس من الواضح ما إذا كانت الصحف تناولته من منطلق "مهني" باعتباره "فرقعة "اعلامية ، أم باعتباره حدثا "غريبا" لا يكاد العقل أن يصدقه؟!. في تقديري التعاطي الإعلامي مع الحدث ، يجمع بين "الإثنين" : المهني والغرابة ، وإن كان الأخير هو الأكثر تأثيرا على الصحفي حال تناوله للموضوع . يبدو لي أن ثمة نطباعا عاما لدى العاملين في المهن المتماسة مع الوسط الفني ، أن الأخير ، وسط .. الداخل فيه "منحل" والخارج منه "مختل" ! ومن ثم فإن نماذج مثل حنان ترك وشقيقاتها من قبل تمثل حدثا صادما لا يكاد يصدقه كل من كان مطلعا على تفاصيل وتضاريس هذا الوسط ، وبتجربتي الشخصية كصحفي فإن قطاعا ليس بالقليل من الزملاء المشرفين على صفحات الفن ، هم أقرب لأهل الفن من أهل الصحافة ، ولايرى الصورة على حقيقتها إلا من كان خارج الإطار كما يقولون . في حوار جري بيني وبين الفنانة عبير صبري يوم أمس ، قالت لي إن الوسط الفني بما فيه الصحافة الفنية ، تتناول مسألة حجاب الفنانات بخطاب تحريضي ، أقرب ما يكون إلى التقارير الأمنية ، طبعا لأسباب كثيرة ، فمنْ في الوسط مِن فنانين ومخرجين ومطربين ومنْ شابه ، يشعرون بالحرج الشديد كلما ، تفلتت منهم فنانة إلى "الحجاب" أو"الالتزام" ، ويجدون انفسهم مضطرين إلى الدخول في حوارات اعلامية وتليفزيونية شاقة للدفاع عن انفسهم ومحولة اثبات أن الفن ليس حراما ، ويعترضون على مصطلح "الفنانات التائبات" ، باعتباره اتهاما ضمنيا بأنهم "عصاة" ونحو ذلك . الكتاب والصحفيون الذين يتعرضون للظاهرة بأسلوب ساخر ، واطلاق صفات مثل "الحاجة" و"الداعية" و"الشيخة" من قبيل التهكم وليس من قبيل الإجلال والتقدير ، عادة ما يكونون مدفوعين إلى ذلك تحت ضغوط نفسية فرضها عليهم الحدث باعتبارهم علمانيين ، يرون أن الدين يفسد "الفن" بذات قدر اعتقادهم أنه يفسد أيضا "السياسة" ! ويرون في الحجاب رمزا ذات حمولة ثقافية مغايرة لما يعتقدونه من تصورات ورؤى للحياة بكامل تفاصيلها . الطريف وكما قالت لي عبير صبري ، إن هؤلاء يستكثرون على الناس فرحتهم بمن ترتدي الحجاب من الفنانات ، ويطلقون النكات على العامة لفرحتهم بقدر ما يطلقونه من نكات على الفنانات لإلتزامهن بالطاعة ! ولعل أكثر ما لفت انتباهي في كلام عبير لي ، وهي واحدة لها تجربتها الثرية في هذا الوسط من قبل ، وخاضت ذات تجارب من ارتدين الحجاب منهن ، هو أن نموذج حنان ترك ، تجربة إنسانية تستحق التقدير والاحترام ، إذ إنها اتخذت قرارها والدنيا مقبلة عليها ، وهي حالة لم يقدر قدرها إلا المنصفون والعدول والأنقياء الاتقياء من أهل الفكر والراي والمروءة ، حتى لو اختلفوا معها . على حنان ترك الآن أن تستعد لسماع الكثير من الكلام الفارغ والتافه الذي ما انفك يردده "اعداء العفة" ، على كل من سبقوها إلى ذات الطريق ، ولتعلم أنهم صدّعوا أدمغتنا بكلامهم عن تقديسهم ل"الحرية" .. الحرية لكل شئ بما فيه حرية عبادة الشيطان والشذوذ الجنسي والعري والمسخرة ومناقشة الاشباع الجنسي للمرأة وغشاء البكارة والعادة السرية ، إلا حرية "الفنانة" في أن ترتدي الحجاب .. فلا حرية لها إلا حرية التعري وعرض لحمها على الشاشات لتنهشه العيون وتفسد القلوب ولا تستحي والحال كذلك من أنها تحارب الله ورسوله أناء الليل وأطراف النهار. [email protected]