يذكرنى قانون الطوارىء بقول الشاعر العراقى مظفر النواب " كيف يكون الإنسان شريفاً وجهاز الأمن يفتش فى كل مكان". كما يذكرنى بفكاهة شهيرة عن ذلك الذى ذهب إلى الطبيب يشكو له من نزلة برد. فسأله الطبيب عن بيته فأخبره أنه يغلق الأبواب كلها والشبابيك حتى لا يأتيه البرد ورغم ذلك فهو مريض. فأوصاه الطبيب أن يفتح الأبواب والشبابيك. ثم مر يوم أو يومان وجاءه المريض غاضباً فسأله الطبيب، هل فعلت كما أخبرتك ، فقال نعم ، قال الطبيب والبرد؟ قال المريض " البرد راح ، والرشح راحن والثلاجة راحت والغسالة راحت والتليفيزيون راح". حقاً لقد عانت مصر من الإرهاب ولسنا نعلم من هم صانعوه الحقيقيون، وأوصانا طبيب الغرب بقانون الطوارىء، والآن نحن غاضبون ن ونحن أقل حظاً من صاحب البرد. فهو قد ضاعت أدوات منزله وضاع البرد والرشح، اما نحن فقد ضاعت الحرية وضاعت كرامة المواطن وضاع الأمان فى رعاية الشرطة وضاع الفكر البرىء والتفكير على انواعه وضاعت هيبة الدولة وإحترام المواطن لأجهزتها وضاع إقتصاد مصر وضاع الجنيه المصر ولكن الإرهاب لا يزال موجوداً. هل نحن شعب مجرم لا مكان يناسبه غير السجون؟ أم نحن شعب مشاكس لا يصلحه سوى الحديد والنار، أم أننا كما قال والى يزيد بن معاوية عنا " الأمَ أنوفٍ رُكِّبَت فى أوجه" ؟ ألسنا بطبيعتنا مسالمين؟ ألسنا نحب الزراعة والخير والحب والتضحية؟ أم اننا إرهابيون معقدون ودمويون شاذون؟ تُرى أى عيبٍ فينا جعل منا متهمين مكروهين؟ أليست هناك نقطة لقاءٍ بيننا وبين ولاة أمورنا نلتقى فيها ونفوت على أعدائنا فرصة الفساد فى الأرض؟ لماذا وصلت القسوة إلى هذا الحد؟ أننا نكاد نبدوا كالمسوخ الآدمية والدمى القبيحة، بابتساماتٍ مصطنعةٍ ووجوهٍ مقَنَّعَة. الناس يكذبون ويصدقون كذبهم ويقنعون أنفسهم بان الكلَّ يصدقهم. وفى الحقيقة لا أحد يصدِّق أحد. الواقع أيها السادة صار مشيناً، وسوف يقف التاريخ طويلاً ، لا ليسجل إنتصارات أكتوبر كما قال السادات، ولكن ليسجل تداعيات ما بعد أكتوبر. إننا نقترف جريمة لا يعاقب عليها غير قانون الإسلام، إننا ننتحر. نعم ننتحر ونلقى بمصر فى النيل لتغرق، ولست أدرى إلى أين تقذفنا موج هذا الطوفان. هل لنا أن نحلم بأن نعامل يوماً على اننا مواطنون من الدرجة الأولى؟ وهل لنا أن نأمل فى أن مستقبل أولادنا سيكون أفضل مما لاقيناه؟ وهل لنا أن يعود إلينا إحترامنا لأنفسنا بعد ما ضاع منا؟ وهل سيأتى اليوم الذى نذهب فيه إلى مركز الشرطة ونحن آمنون على كرامتنا أن تهان وعلى حريتنا أن تنتهك؟ هل ستعود يوماً إلينا سيادتنا على أرضنا ونطرد خبراء الهم الذين ينهبون اموال مصر ثم لا نجد من وراء نصائحهم سوى الخراب؟ إلى متى يا مصر؟ وهل ضعت يوماً اكثر مما ضعت فى هذا العصر؟ ولست والله أدرى إلى أى خرابٍ أكثر من هذا نحن ذاهبون، ولكن أخشى ما أخشاه ، أن يضيع الحب ثم لا يكون على أرض مصر سوى أعداء متناحرين. ونرتد على أدبارنا بعد أن هدانا الله ، وبهلك الحرث ويهلك النسل. ثم لا يبقى سوى بئرٍ معطلةٍ وقصرٍ مَشيد.