من المؤكد أنني لا أقصد تلك الأحذية التي سمعنا عنها في مجلس الشعب ، ولا تلك الأحذية التي تطايرت في مقصورات الأندية الرياضية , و لا تلك التي تحدث عنها الأدباء والشعراء ، وكتبت عنها الدراسات الأدبية والنقدية في المجلات والكتب ، وإن كان الشاعر نزار قباني قد أشار إلى واحد منها في قوله : وإذا المفكر أصبح بوقا يستوي الفكر عنده والحذاء وأشار الشاعر بدر شاكر السياب إلى نمط من الشعراء والكتاب الذين يعملون بهمة لتلميع أحذية النظام ، وفي كل الأحوال فإن ما أقصده بأحذية النظام هنا هو تلك الأقلام التي آثرت أن تلمع وجه النظام الكئيب ، وتقلب الحقائق ، بل تزورها في مواجهة الشعب البائس التعيس ، متجاهلة الواقع الذي يفضحها ويكذبها ، ولكنها لا تستحي من سلوكها المشين وتصر في الوقت ذاته على لعب دور المعارض النزيه ، في تدليس لا ينطلي إلا على السذج والبلهاء ، بل إن هؤلاء لا يقبلون بما يقول به أولئك الكذابون المفترون أصحاب الجلد السميك . أحذية النظام لا تجد غضاضة في تقديم المقارنات الخطأ لتبييض وجه النظام البوليسي الفاشي ، فتجد أحدهم مثلا في محاولة لتبرير بشاعة النظام وإجرامه ضد خصومه السياسيين يقارن بين ما يحدث في بريطانيا ومصر من خلال الخلاف بين مؤسسة الداخلية ومؤسسة العدل ، فيصفه في بريطانيا بالتحضر والرقي ، وانحياز الداخلية إلى حقوق الإنسان والقيم العليا ، بينما اللوردات الذين يمثلون العدالة يتشددون ويطالبون بالقسوة والشدة في التعامل مع المعتقلين ، ويشير السيد المقارن إلى أن القوم هناك لم ينزلوا إلى الشارع ولم يقودوا المظاهرات التي يندس فيها المخربون والشراذم الفوضوية كما يحدث عندنا في مصر المحروسة !وبالطبع يتجاهل صاحبنا أن القوم هناك لا يعرفون شيئا اسمه ثقافة العناد التي تحول كل حوار إلى حوار طرشان ، والى معارضة كل رغبة شعبية ، ووأدها إثباتا لإرادة الاستبداد وسطوته واستعلائه على الجميع ،ويتجاهل صاحبنا " الديمقراطي جدا !" أن القوم هناك لا يضربون المتظاهرين بالجزمة ،ولا يسحلونهم ، ولا يعتدون عليهم جنسيا في أقسام الشرطة ، ولا يعذبونهم بأحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا ، ولا يخطفونهم من الشوارع ويلقون بهم في أعماق السجون ويجددون لهم كل خمسة عشر يوما ، بينما يتركون اللصوص الكبار والقتلة والمنحرفين والمختلسين والمرتشين والذين يسرطنون غذاء الشعب وشرابه أحرارا طلقاء ، أو يودعونهم بالحفاوة والتبجيل إلى حيث يخرجون ولا يرجعون . ثم يحاول بعضهم أن يقدم لنا النظام المصري البوليسي الفاشي في صورة إنسانية حين يشير إلى عدد المعتقلين هنا وهناك ،فيقول إن عدد المعتقلين في بريطانيا ثمانون ألف معتقل ويسكت عن عددهم عندنا حيث يعلم الناس أنهم ثلاثون ألف معتقل سياسي ، يختلفون عن معتقلي بريطانيا الذين يرتكبون مخالفات قانونية بسيطة ويقضون في الحجز بضعة أيام أو ساعات ثم يخرجون بعدها إلى النور . إنهم ليسوا معتقلين سياسيين يقضون زهرة شبابهم وكهولتهم في جحيم السجون الوحشية التي أكثر النظام من بنائها مفضلا إياها على المصانع ومؤسسات الإنتاج،أما معتقلو بريطانيا فهم جنائيون ، وأعدادهم عندنا تفوق أعداد المعتقلين في بريطانيا بكل تأكيد ، إن المعتقلين السياسيين في بلادنا لا يحاكمون ، وإذا حوكموا يقضون العقوبة التي تستمر بأمر الداخلية إلى ما شاء الله ؛ دون أن يعرف المعتقل متى يرى النور ؟ ثم يأتي حذاء من أحذية النظام ليقول لنا إن الجلادين الكبار والصغار لديهم رقة عظيمة ، وإنسانية نادرة ، وليست لديهم رغبة في اعتقال الناس وهم يتناولون قهوة الصباح أو قهوة المساء ، ولا يشعرون بشهوة الانتقام من المعتقلين ، بل يضطرون إلى ذلك اضطرارا لحماية الوطن ! الحذاء المعارض يتجاهل أن النظام البوليسي الفاشي وهو يلين كل اللين ويتنازل إلى درجة التفريط في حقوق الضحايا المصريين من جنود الأمن المركزي على الحدود ، لا يتنازل ، بل لا يسلم بحكم القانون بالنسبة للمعتقلين ، وبعضهم بريء ، وبعضهم صاحب رأى ، فيعتقلهم بعد الإفراج عنهم مباشرة بمقتضى قانون الطوارئ اللعين ، وبعضهم حصل على ما يقرب من عشرين حكما بالإفراج ، ولم يفرج عنه حتى اليوم ! لقد لفق النظام للدكتور حسن الحيوان تهمة رخيصة في أيام الانتخابات ، وبرأه القضاء العادل من التهمة البغيضة ، ؛ فإذا بالنظام الفاشي الفاشل يعتقل الرجل بعد الحكم ببراءته بثوان معدودات .. أليس ذلك انتقاما رخيصا يا أحذية النظام ؟ وشهوة بشعة للانتقام الوحشي من الخصوم لا مسوغ له ولا مبرر ؟ إن النظام الذي يمرغ قاضيا في التراب ، ويسحله على الأرض ، ويضربه بلا رحمة ويخلف لديه عاهة مستديمة ، في الوقت الذي يطأطئ فيه رأسه أمام الأعداء الخارجيين لهو نظام فاسد وظالم وفاشل ، ولن يتقدم بالوطن خطوة إلى الأمام ، بل إنه يعود به إلى الخلف باستمرار ، ويظل وصمة عار في جبين الإنسانية كلها وليس مصر وحدها ، ولن يجديه نفعا أن يستعين بأحذية مثقوبة ، لا تعرف شيئا اسمه الضمير أو الأخلاق ! [email protected]