تثير قضية مدي قدرة النظام العربي الرسمي علي مواجهة العواصف والأنواء التي تحيط به من الداخل والخارج علي السواء أهمية بالغة وبالتالي قدرته علي التجديد والإحلال بطريقة طردية ذاتية داخلية تقطع الطريق أمام محاولات التدخل الأجنبي في شؤون عربية صميمة وتعطي الفرصة لقوي سياسية ودوائر فكرية مترامية الأطراف داخل منظومة العمل السياسي العربي الرسمي والأهلي . ودائما ما نلحظ نشاطا مكثفا يستبق عقد أي قمة عربية ومداولات مكثفة في محاولة للوصول إلي وثيقة إصلاح شاملة للجامعة العربية والعمل العربي المشترك. ومنها ما يفرضه الجدل المحتدم بين تيارات ثقافية وفكرية متباينة في وسائل الإعلام ومنتديات النخب لكن أزمة المشروع العربي الرسمي - برأيي أعمق من حصرها في بضعة من الكتاب أو المتسيسين لأنها أصبحت أزمة أمة وقضية جيل بأكمله تفوق خصومات أيديولوجية لنخب المثقفين في مراكز البحث والترف الفكري، فالشعوب قلقة علي لقمة الخبز التي تأكلها وهي قلقة أكثر علي هويتها وخلفيتها الدينية التي باتت تتهدد بالغزو الخارجي والانفراط الداخلي للمؤسسات الحاكمة وتداعيات الأزمة تجاوزت حربا مفتعلة علي الإرهاب انعقدت جولاتها الأولي في كابول وبغداد وترامت امتداداتها المعاكسة في مدريدولندن لما هو أبعد فيما يمثل مشروعا لقوي الاستكبار العالمية تتقسم فيه من جديد حدود وثروات العالم الثالث . وقد عدت إلي تصريح أدلي به وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم ترجم به حالة الفشل في الوصول إلي صياغة مشتركة لمشروع عربي للإصلاح والمؤكد أن حالة الفشل الرسمي تلقي بظلالها علي حالة الرأي العام الشعبي إحباطا ويأسا لتصيب مشاعر الشارع العربي في مقتل ولعلي أذكِّر فقط بضعف الموقف الرسمي في أعقاب حادث ما زال يثير كوامن الغضب باغتيال الشيخ أحمد ياسين وعندما تكرر السيناريو مرة أخري بعد اغتيال المجاهد عبد العزيز الرنتيسي قبل مرور ثلاثة أسابيع علي اغتيال سلفه مما وضع الأنظمة العربية في مأزق كبير أمام شعوبها . وكاتب هذه السطور طامح مثل غيره إلي محاولة الوعي بما يراد لنا وفي هذا كنا ننظر لضرورة التوحد بين الحكومات والحركات الشعبية لوضع استراتيجية موضوعية وثابتة تمكننا معا من استيعاب أثار الحرب الدولية لقوي الاستكبار ضدنا وقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الشعوب لن تقاتل مع الأنظمة المستبدة ولن تدافع عنها والمثل بدا شاخصا للعيان في قصة مؤلمة لسقوط بغداد وتبختر الدبابات الأمريكية في عاصمة الخلافة والعروبة، وأن الركائز التي من الممكن أن تبني عليها جهود المخلصين لتشييد حائط صد لمواجهة موجات التغريب ضرورة التأكيد علي ثوابت الأمة الدينية والروحية والثقافية. وليس صحيحا أن حالة الإحباط تدفع دائما إلي ترويج الخطاب العدمي الذي يعج بمفردات الشكوي والعويل والصراخ ويقصي حق كل التجمعات والمؤسسات الأهلية والشعبية في طرح رؤاها التي يلزم علي الحكومات الاستفادة منها إذا كانت جادة فعلا في تحقيق التوحد والتلاحم فرغم أهمية هذا الملف لتحقيق الإصلاح داخل العالم العربي ووضع أطر للمشاركة السياسية الفعالة لكافة الحركات والفعاليات السياسية والفكرية لمنظومة الإصلاح السياسي بعيدا عن التدخل الأجنبي تبقي المحاولات أقل من المأمول بما يستلزم ضرورة تبنّي الهيئات والمؤسسات الفكرية العربية سواء الرسمية أو الشعبية لندوات واجتماعات مشتركة أو أحادية في المستقبل إذا كنا راغبين حقا في استيعاب كافة القوي وقطع الطريق أمام التدخل الأجنبي تحت ذريعة الإصلاح السياسي لكن المطالبة بتلقي المبادرات الحكومية فقط بطريقتها في الإصلاح هو نوع من العبث واستمرار لتراجع المشروع العربي والإسلامي علي الصعيدين الدولي والإقليمي وتكريس المشروع الاستعماري بإبقاء ذرائع التدخل ، غير أني أثمن بعض المعالجات التي تقوم بها بعض الدول لاثراء جهود البحث الشعبية والنخبوية مثلما تقوم به دوائر مسئولة في قطر والكويت والسودان . و لا أريد أن ينحو البعض بمعارضة التدخل الأجنبي ورفض ذرائع الادارة الامريكية في استغلال مطالبات الإصلاح السياسي في المنطقة إلي درجة نجد أنفسنا متورطين في دعوة لتأييد النظم التي مارست الاستبداد عهودا طويلة واعتماد تفسيراتها في تأويلها الوحيد لتطبيق مبادرات الإصلاح السياسي وهو أمر محل نظر جميع القوي السياسية فمحال أن تستطيع مثل هذه الحكومات بمفردها أن تتحول طوعا إلي غير ما كانت تمارسه زهاء نصف قرن علي الأقل من الزمن، وإذا كنا نستكثر علي الجماعات التي تقوم بمراجعات لبعض أفكارها وممارساتها أن تعاود نشاطاتها مرة أخري فكيف نقبل من تلك الحكومات التي مارست الدجل السياسي والاستبداد بكل صوره أن تعاود هي دون غيرها لتقديم التفسيرات اللازمة لعملية التغيير أو الإصلاح وتضع قياسات مفصلة لشروط وضوابط الترشيح ، لكن مبدأ استقلال الوطن هو الذي قد يدفع لإمكانية قبول التنسيق بين تلك الحكومات والحركات علي أن تتقاسم معا تلك العملية لا أن تنفرد بها الحكومات والنظم خاصة المستبدة منها. فالدولة المصرية مثلا وباعتبار أنها كبري تلك النظم العربية وعلي الرغم من الهامش المتاح اليوم بها مازالت تؤمن بالشمولية وهي إلي الآن غير قادرة علي التخلص من سياسة الحزب الواحد، والأحزاب المعترف بها من قبل النظام لم تحصل علي المساحة الحقيقية لها من الحرية والممارسة السياسية فضلا عن حرص النظام علي حجب المشروعية عن قوي سياسية حاضرة في المشهد السياسي من الإسلاميين وآخرين. إننا بحاجة ملحة أن نفهم إذا كان ذلك ممكنا ما الذي يمنع تلك الحكومات أن تمكن شعوبها من ممارسة حقها المشروع في العمل السياسي دون أن تتعرض للقهر والبطش وصنوف شتي من المحاكم العسكرية والاستثنائية وأمن الدولة طوارئ وحق التجمعات في تأسيس الأحزاب دون وصاية أو مصادرة وحق النقابات في إدارة شؤونها وحق المواطنين في إصدار الصحف وتأسيس الشركات الصحافية والإعلامية وحق المواطنين في المعرفة معرفة الحقيقة بالتأكيد. خاصة أن التجربة في بعض البلدان العربية والخليجية مشجعة علي إمكان سلوك ذلك السبيل وتمكين التجمعات الشعبية من حقها المشروع في التعبير عن آرائها ومعتقداتها بصورة سلمية . علينا ألا ننتظر شيئا يؤمل عليه من النظام العربي الرسمي، لكن طريق النضال أمام الشعوب العربية ما زال متاحا لتفرض رؤاها علي الحكومات المستبدة وتحقق ما تصبو إليه في مشوار مناهضة الاستعمار الجديد وصنع مستقبل أفضل بأيدينا فالشعب الروماني الذي ثار علي استبداد تشاوشيسكو ومارس حقه المشروع في تولية حكومة مدنية بإرادته بعد سنين طويلة من القمع والاستبداد وكذلك فعل الشعب الكرواتي في انتفاضته البرتقالية ليسا أكثر حضارة من الشعب العربي الذي يعاني من بعض حكوماته وأنظمته المتسلطة أو العاجزة. مجدي النشار : تحدثت الأنباء عن ضبط مصر للمواطن المصري مجدي النشار والذي أشارت معلومات سكوتلانديارد عن ضلوعه في تفجيرات لندن الأخيرة، وأنها تجري معه تحقيقات مكثفة لمعرفة الحقيقة ومدي تورطه، كل ذلك لا غبار عليه، لكن لا بد من توفير ضمانات حقيقية للمتهم وأسرته وعدم خضوعهم لأي ضغوط في هذا الخصوص، والأهم عدم تكرار ما فعلته مصر من قبل حينما سلمت المواطن محمود أبو حليمة للسلطات الأمريكية عام 93، علينا أن نوفر لهذا المواطن الضمانات الكافية وأن يجري التحقيق شفافا، وأن يسمح للمحامين حضورها ورقابتها، وعندها لكل حادث حديث. ------ صحيفة الراية القطرية في 16 -7 -2005