تنتشر بين الشعوب ثقافات متعددة لها مصادر أيضاً متعددة ، من هذه الثقافات ما هو إيجابي وهو كل ما يحافظ على قيم إيجابية ويتبناها ، ومنها أيضاً ما هو سلبي هو ما يكرس القيم السلبية وخاصة القيم الجماعية للأمم والشعوب . ولعل من برزالثقافات السلبية عند المصريين هي ثقافة " الخوف " ، وهي نتاج سلسلة طويلة وتاريخية من القمع والقهر من الحكام والسلاطين على الشعوب ، وخاصة على المجموعات الحية في هذه الشعوب حتى تنقل القهر والخوف إلى المساحة الأكبر من البشر، وإذا نظرنا إلى الخمسين عاماً الماضية على الأقل ستجد هذا الخوف له آثار ومعالم واضحة وإن كان في فترات أكثر من فترات آخرى لكنه ظل ثابتاً ومتأصلاُ لدى شريحة كبيرة من المصريين ، ولايخرق هذه القاعدة أن هناك طوال الوقت شجعانا يرفضون ثقافة الخوف ويتحدون الظلم والجبروت ، لكنهم ظلوا أقلية يصلح أن يُطلق عليها الأستثناء الذي لايغير القاعدة ، ويتجلى خوف المصريين من التعبير عن رأيهم بحرية في الأمور السياسية وفي كل ما يتعلق بالسلطة مما أوجد خطابين لدى كثيرمنهم خطاب نفاقي يدعى فيه موافقته على السياسات القائمة وعلى الحكام ورموزهم إذا كان غير مطمئن لمن يتحدث إليه وخطاب آخر صريح يُعبر فيه عن مرارته إذا أطمئن لم يتحدث إليه وهذه أوضح صورة للخوف ، كما أن من مظاهر الخوف وثقافته عند المصريين في الفترة الأخيرة عزوفهم عن الأشتراك في العمل السياسي سواء الأنضمام للأحزاب أو الذهاب للتصويت في أي أنتخابات عامة ( وخاصة الأستفتاءات واتخابات البرلمان والمحليات ) إلى مستوي متدني جداُ من المشاركة وبالطبع من هذه المظاهر الواضحة عدم الأشتراك في أي مظاهرات أو أعتصامات أو أضرابات خشية أهل السلطة والسلطان . والغريب في هذه الثقافة ( ثقافة الخوف ) تبريراتها التي يسوقها المتشبعون بها من خشيته على رزقه أو عمره أو أولاده ، وبالطبع هذا الأمر غريب لأن هذا الشعب متدين بالفطرة ومظاهر التدين واضحة فيه لكن هذه المقولة تصتدم بمعاني التدين الصحيح حيث أن المؤمن الصحيح يدرك أن الأجل بيد الله وأن العمر مكتوب ولا يستطيع أي مخلوق مهما كان أن يقدم هذا الأجل أو يؤخره ولو لساعة واحده ، كما أن الرزق مكتوب وبيد الله ، ويحفظ الكثير من هؤلاء البسطاء معظم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة التي تؤكد على ذلك لكنها لم تستقر في نفسه حقيقة وإلا ما كان هذا الخوف بهذا الشكل قد تملك فيه . ولم تعد تقتصر الآثار السلبية للخوف فقط عند جرحها للإيمان الصحيح ولكنها وصلت إلى الأضرار المادية من تدهور أحوال الناس حتي في لقمة العيش والعيش الكريم ، فالرزق صار أضيق مع الخوف ، والإهانة حلت محل الكرامة ، وضياع الحقوق بات هو الأصل . فما الذي جنته هذه الثقافة المدمرة غير الخراب والضيق والضنك وقبل كل هذا وبعده جرحها للإيمان الصحيح . وعليه لا سبيل لهذه الأمة وهذا الشعب من أن يتخلص من هذا الخوف الذي صار كما قال أحد الأصدقاء مثل طبقات الجولوجيا لدى المصريين ، وهذا واجب النخب المثقفة والمتدينة والمؤثرة في المصريين جميعاً أن تقودهم للتحررر من الخوف ومن ثقافته ، والتمرد على الظلم والقهر والقمع وأخذ زمام المبادرة من جديد حتى يتحول الحكام من آلهة أو أنصاف آلهة إلى وكلاء عند الأمة وخدام لها يستمدون قوتهم من رضاء هذا الشعب عنهم وتزول هذه القوة بتغير رأي الشعب فيهم ، عند هذه اللحظة سنرى شعباً غير الذي نراه وأمة غير هذه الأمة سلوكها الشجاعة وشيمتها الإباء تتخلص من أمراضها جميعاُ ومنها الفقر والتخلف ، وستقود الأمة كلها بل الدنيا كلها نحو الاستقرار الحقيقي والتعاون البناء وستحقق هذا بإذن الله بالإستعانة بالله أولاُ والعودة إليه وبالأخذ بالأسباب أسباب القوة والعزة وإرادة التغيير والتحدي وعندها نقول لثقافة الخوف وداعاُ بغير رجعة .