كان العبد لله - ومازال- يرى أن استخدام المنابر وساحات المساجد في الدعاية السياسية لحزب أو تيار معين هو خطأ لابد أن يقود عاجلًا أو آجلًا إلى فتن لا تحمد عقباها، وأن هناك فارقًا كبيرًا عن التشاور في أمور المسلمين في مسجد رسول الله، وبين واحد يلقى خطبة موجهة على منبر له حصانته، أو يلقى درسًا يدعو فيه لتيار أو جماعة، ولقد أظهرت هذا الرأي في جريدة (المصريون) في مقالة بعنوان (ومن هو بابا المسلمين؟)، وفي جريدة الوفد بعنوان (خط إنتاج الإمعات)، وذلك في مارس 2011 تعليقًا على استخدام المساجد قبيل الاستفتاء الأول. ومما ذكرت في تلك المقالات أنه (من الخطأ استخدام منابر المساجد للدعوة لموقف سياسي دنيوي معين في مسألة اجتهاد دنيوي ونظر في مصالح ومفاسد دنيوية لا علاقة لها بحلال أو حرام بين لهم فيه من الله برهان)، و(هناك رد يساق في تبرير استخدام المنبر للدعاية السياسية أنه لا فصل بين الدين والسياسية، وأن الإسلام دين ودنيا، لكن هذا ينطبق على ما فيه حلال بين وحرام بين، فلا محيد عن الشريعة وأوامرها ونواهيها، وهذا هو دور المسجد لا يخالف فيه أحد، ولذلك يظل دور المنبر هامًا في نشر العدل ومحاربة الظلم ومواجهة الطغاة، أما أن يستخدم المنبر في المفاضلات الدنيوية التي تختلف فيها الأنظار والاتجاهات فهي بدعة لم يدع إليها الله ولا رسوله ولا عمل بها السلف الصالح، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع هذا الأمر عندما قال "أنتم أعلم بأمر دنياكم"، أي أعلم منه صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى، فكيف لأحد بعد رسول الله أن يدعي الامتزاج بين الأمور الدنيوية والدين، وأن اختياراته الشخصية هي رأي الدين وقراره، من هذا الذي يدعي لنفسه ما لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم!!، ولقد رجع الرسول صلى الله عليه وسلم عن رأيه في غزوة بدر وفي غزوة أحد، وفي غزوة الخندق عندما أراد أن يعطي المحاصرين من ثمر المدينة مقابل فك الحصار فرفض السعدان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فهل رجع الرسول عن رأيه في دين؟!، أم هي أمور دنيوية محلها النظر والمصلحة). وهكذا فإن استخدام المنابر في الدعوة السياسية لحزب أو تيار هو خطأ واضح يعاتب عليه صاحبه، لكنه خطأ يرى صاحبه أن له حجة فيه، وهو مجال للنقاش، والإقناع والاقتناع، والحجة والحجة المضادة، أما ما لا يتصوره عقل، ولا مجال فيه لإقناع ولا اقتناع، ولا حجة لصاحبه ولا كرامة، فهو أن تتخذ إساءة استخدام المساجد تكئة ومبررًا لانتهاك حرمتها والاعتداء عليها وترويع المصلين فيها بالقول أو الفعل، أو أن يتم التطاول على شيخ جليل ومسجد عظيم من مساجد مصر الكبرى لمجرد أنه دعا لرأي معين في درس بعد الصلاة وليس على المنبر، فتلك خطيئة الخطايا، فماذا يبقى بعد أن تستباح حرمة المساجد وحرمة عمارها؟!، وأي حرمة تبقى لمكان أو لإنسان بعدها؟!. لقد وصل بنا الحال أن تدعو موتورة سياسية -ناشطة سياسية سابقًا- إلى إنزال الإئمة من على المنابر إذا دعوا إلى آراء سياسية تعارضهم!!، أرأيتم إلى أين وصلنا؟!!، إن الذي يفعل هذا فاسق ومجرم-أقول هذا تصريحًا- فإن للمساجد حرمتها، وخطبة الجمعة ليست لعبة، من أراد أن يعارض الخطيب فيكون بالكلمة وليس الاعتداء، وبعد انتهاء الخطبة والصلاة، فإن تغيير المنكر -إن كان منكرًا- لا يكون بمنكر أشد، وتغيير الخطأ -إن كان خطأً- لا يكون بخطيئة!!، وكيف تتبعون كلام هذه الموتورة ولها عذرها في ألا ترتاد المساجد لأن الصلاة فيها ليست فرضًا على النساء، فلعل روحها لم تتشرب عظمة بيوت الله ولا أحست برهبتها، ولكن أي عذر لكم، وكيف هانت بيوت الله عليكم يا أشباه الرجال حتى اعتديتم داخلها وخارجها بالقول والفعل؟!!. إنكم تلعبون بالنار، وتنسون أن بيوت الله لها قدسية، وأئمتها لهم مكانة، ولا يكون الرد على الكلمة إلا بالكلمة، فإن أخطأ الإمام على المنبر فلا يكون الرد إلا بالكلمة، وبعد إنتهاء صلاة الجمعة، أما إن ظن هؤلاء المعتدين أنهم يستطيعون استخدام الردع والبلطجة لإيقاف الدعوة السياسية في المساجد فإنهم بهذا يدفعون المختلف في بطلانه بالمتفق على بطلانه، ويقومون شبهة الخطأ بالخطيئة المؤكدة، إن الذي حدث أمام مسجد القائد إبراهيم في أسبوعين متتالين من اعتداءات مجرمة، والمفاخرة بذلك، والهتاف ضد الرئيس في المسجد وهو آمن يصلي، والدعوات الموتورة المماثلة، كل هذا لن يمر على خير في الدنيا ولا الآخرة... ولبيت الله رب يحميه. م/يحيى حسن عمر [email protected]