(النخبة) كما يعرفها العالم هي الطبقة المثقفة، التي تستخدم ما آتاها الله من ثقافة وحصيلة معرفية في إثراء الحوار وشيوع ثقافة التعامل مع الآخر بالكلمة والحجة، والتي تتصدى بحسم لشيوع التعصب والاحتكام للقوة في المجتمع ولو كانت هذه القوة تصب في صالحها مرحليًا، والتعريف النمطي للنخبة (يقصد بها الطبقة العليا من المجتمع.. ذات الاهتمام الاجتماعي الأعلى في مجمتعهم، وهم قادة الرأي العام والمؤثرون فيه ويشكلون اتجاهات الرأي العام وتوجهات المجتمع)، أما نحن في بلادنا فلا تكاد توجد عندنا حاليًا نخبة بالمعنى المفهوم، اللهم إلا أشتاتًا كجزر مبعثرة، أو كغزلان مستنفرة، فرت من قسورة!!... أما الطبقة التي تدعي الثقافة في بلادنا وتتعاطى الشأن السياسي في الفضائيات وعبر وسائل التواصل فليس لها من النخبوية إلا الشكل والمؤهلات العلمية، هؤلاء (متأنخبون) يتفيهقون بلغة النخبويين أحيانًا، فإذا خدشهم خادش يكشف عن معدنهم بأن تحت الخدش أخلاق وطبائع جهال الأميين. كان (المتأنخبون) -على وزن (المتأسلمين) التي يستخدمونها لوصف خصومهم!!- على العهد بهم في أحداث اليومين الماضيين، فانتفضت الأقلام واهتزت الفضائيات وخرجت المانشتات العريضة عن إحراق حزب الوفد وجريدته، والحمد الله لم يتحقق ما به يستعجلون، ولم تكن سوى شرارة انطفأت في المهد قبل أن تشعل البلاد، لكن اللافت للنظر أن هؤلاء لم تتمعر وجوههم ولم تهتز شعرة منهم لإحراق المقر الرئيسي لجماعة الإخوان، ولإحراق حوالي ثلاثين مقرًا انتخابيًا لحزب مشترك معهم في الحياة الحزبية وهو (الحرية والعدالة)، وتراوح رد فعلهم بين الصمت الثقيل عند أفضلهم، إلى الشماتة المبطنة وإلى الشماتة الظاهرة ووصولًا إلى (يستاهلوا)، بل وإلى تشبيه إحراق مقراتهم بإحراق مقرات الحزب الوطني أثناء ثورة يناير!!، فإذا بهم في حالة (الوفد) يدّعون حريقًا لم يحدث... وكانوا يريدون له في قرارة أنفسهم أن يحدث!!. لم تخرج من أي حزب من الأحزاب إدانات حقيقية لما حدث مع مقرات الحرية والعدالة، وبينما اقتصر الرد الرسمي من هذه الأحزاب على إدانات عمومية للعنف من الأطراف كافة، وهى إدانات من رخاوتها وعموميتها تخرج ميتة أداء للواجب، بل وترى فيها أحيانًا من (الضوء الأخضر) أكثر مما ترى فيها من (الضوء الأحمر)!!، وإذا كانت تلك هي رخاوة المتأنخبين الحزبيين الرسميين، فلا عجب أن تسري روح الشماتة والتشفي واستحسان العنف في جمهورهم حتى أصبحوا أقرب جدًا إلى الجهلاء والغوغاء منهم إلى المتعلمين، بل إن الأمي العادي سليم الفطرة في بلادنا أكثر قدرة على الحكم على الأمور من هؤلاء، والأمثلة تفوق على الحصر. كتب أحد أصدقائي على الفيس بوك وهو يعلق فرحًا على إحراق المقرات قائلًا بالنص: نهاية سريعة لما يسمى بحزب الحرية والعدالة، الوطنى سابقًا!!، وعندما ذكرته بشعارات السلمية التي كانوا يرفعونها، رد قائلًا في فكاهة معبرة: (الحاجة سلمية) ماتت من زمان!!، وكتبت إحدى الزميلات معلقة على أعمال البلطجة والحصار الذي تعرض له مسجد من أكبر مساجد الإسكندرية، وشيخ من كبار شيوخها: هو الذي دعا إلى التصويت بنعم، وعليه أن يتحمل النتائج!!، وتنسى زميلتي أن الكلمة ببساطة لا يرد عليها بالبلطجة، وإذا أخطأ الخطيب على المنبر فعلى المعترض أن ينتظر انتهاء الصلاة ليتحدث مبديًا اعتراضه، لا أن تتم أعمال بلطجة وحصار للمسجد، ويرد على الكلمة بالطوب!!. وعندما يخرج إعلامي ليقول لرئيس البلاد (يا كافر)، وعندما يخرج آخر ليقول لرئيس الوزراء (لو كان أبنائي ماتوا في الحادثة لكنت ضربتك بالطبنجة)، وعندما يستخدم ثالث ألفاظًا مثل (يا ولاد الكذابة)، وعندما يقول (مرحلة إحراق المقرات انتهت، عنوان فلان كذا وعنوان علان كذا)، فإن هؤلاء لا يمكنك إلا أن تعتبرهم ينتمون إلى الغوغائيين بل إلى الإرهابيين ويتوجهون بخطابهم لهم أكثر من كونهم ينتمون للنخبة ويتوجهون بالخطاب لها، إن المتأنخبين في بلادنا يقدمون يوميًا الذرائع للبلطجية والإرهابيين، وعندما يصبح الحرق عملًا ثوريًا وإلقاء الطوب ردًا منطقيًا فإنك لا يمكنك أن تفصل بين الاثنين، فهؤلاء يلقون المولوتوف بأفواههم مثلما يلقيها هؤلاء بأيديهم... أيها السادة، أنتم أنصاف إرهابيين، ولستم من حقيقة النخبة في شيء، ولو أكلتم بالشوكة والسكينة، ورنطنتم بالإنجليزية والفرنسية، وأتيتم من ألمانيا أو النمسا!!. [email protected]