مشكلة المواطن المصري أنه غير مسيس ، أي أنه لم يتعود الاهتمام بالعمل العام ومشاغله ، وحين تكون له علاقة مع الدولة والسلطة المركزية أوالمحلية فإنه يتبع وسائل غير سياسية للحصول علي حقه من مثل الواسطة أو المحسوبية أو المعرفة أي الشخص الذي يعرفه – في المصلحة أو المؤسسة التي يريد منها حقه ، وغالبية المصريين من الفلاحين الذين يعيشون في القري والأرياف وهؤلاء يحملون أفكاراً ذات طابع أسطوري عن الإدارات في المراكز والمدن . والفلاح المصري بطبيعته متوجس يخاف من السلطة ومشاكلها أو الاقتراب منها ، فعنده مثل يقول " امش سنة ولا تعدي قنا " ، لم يعرف في حياته روح المغامرة ، وعنده مثل آخر يقول " اربط الحمار مطرح مايقولك صاحبه " أي في المكان الذي يحدده صاحبه . ولأن مصر دولة نهرية فالحكومة فيها هي التي تقوم بتنظيم الاجتماع البشري فيها ، ومن هنا ظهرت نظريات تتحدث عما يطلق عليه " الاستبداد الشرقي " ففي المجتمعات النهرية ظهرت أقدم حكومات في العالم ، وعرفت هذه المجتمعات الظاهرة الفرعونية التي تحدث عنها القرآن الكريم " أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ، أفلا تبصرون " وفي موضع آخر " فاستخف قومه فأطاعوه ، إنهم كانوا قوما فاسقين " ، وفي دراسات عديدة عن حركات الاحتجاج في مصر علي طوال العصور لم نجد حركات احتجاج ومقاومة عبر المواجهة المباشرة للحاكم إلا نادرا ندرة الشئ الذي لاحكم له . ولكن رأينا أشكالا من الاحتجاج مثل النكت ضد الحكام ، وعندنا قاموس في مصر من النكت السياسية المرعبة وأكثرها كان في عهد مبارك بلا ريب لأنه كان أكثر العهود قسوة ووحشية علي المصريين في الريف والحضر معا وبكل طبقاتهم . ومن أشكال الاحتجاج الأخري تخليد بعض الشخصيات ذات الطابع الأسطوري مثل " أدهم الشرقاوي " ، أو تخليد قصص بعض الحكام المستبدين ، فالاحتجاج المصري هو احتجاج سلبي ، وتجد الإنسان يجلس معك ويسب الحكومة وسياساتها ولكنه لا يستطيع أن يجهر بذلك أويعلنه ، حتى علي مستوي أكبر المثقفين . ومع موجات التعليم الواسع الذي عرفته مصر في الستيينيات وبدأت تظهر آثارها في السبيعينيات وجدنا أبناء هؤلاء الفلاحين والفقراء والطبقات الوسطي ينتفضون ضد السلطة فيما عرف بمظاهرات الطلاب في أواخر الستينيات وأوائل السبيعينيات ثم الحركة الإسلامية في السبيعينيات ، هنا حدث تحول في الوعي ، وتحول في التكوين الاجتماعي والسياسي فيما نطلق عليه في العلوم السياسية " الحراك الاجتماعي " ، أصبحت التكوينات والطبقات الاجتماعية الجديدة أكثر تسييسا وأكثر اهتماما بالشأن العام ، خاصة مع عجز الدولة عن الوفاء بالعقد الاجتماعي الذي عقدته مع مواطنيها وانسحابها المزري من القيام بواجباتها تجاهه ، وتمثل حركة " كفاية " الحركة المصرية من أجل التغيير قمة التحول في المشهد السياسي المصري والذي يعني دخول المواطن إلي قلب السياسة والاهتمام بالشأن العام . ومع إقرارنا بحدوث قفزات في الوعي السياسي للمواطن المصري لكنه لا يزال قوة كامنة بحاجة للتحول من الوجود إلي الفعل أي أن يصبح حركة منظورة ، لا تزال " كفاية " بحاجة إلي دعم من المواطنين المصريين جميعا حتى تصبح تعبيرا عن تيار حقيقي في الشارع له مناصروه الفعليون الذين لديهم الاستعداد للنزول إلي الشارع لانتزاع مطالب الحركة عبر الاحتجاج السلمي . قرأت خبرا مهما يعكس التحول السياسي الذي تحدثت عنه ،فقد قام أحد المنتمين لحركة كفاية بتحويل فرح للأسرة إلي مظاهرة سياسية ضد نظام مبارك ،فبدلا من الغناء والطبل والزمر ،قام الرجل ليهتف ويقول " يسقط يسقط حسني مبارك " وردد المعازيم خلفه الهتافات وتحول الفرح لمهرجان سياسي ضد النظام الحاكم ، النكتة في الموضوع أن الفرقة التي جاءت لإحياء الفرح وجدت نفسها تردد هي الأخري مع المعازيم ، وفي نفس السياق قام بعض شباب حركة كفاية بالمرور علي فرح آخر ووزعوا بعض المنشورات التي تتضمن مطالب اجتماعية واقتصادية مثل الحق في العمل والحق في الزواج وغيرها ، ورددوا بعض الهتافات ضد النظام ، وهو ماجعل صاحب الفرح يتحدث معهم نجيا ( في السر وعلي جنب ) ، ويقول لهم أنه معهم في كل مطالبهم ولكن حرصا علي مستقبل الزواج والعروسين من أن تأتي أمن الدولة وتقبض عليهم ، أرجوكم اشربوا الشربات ومع السلامة .وفعلا شرب الشباب الشربات ولم يريدوا التعكير علي العروسين أكثر من هذا . نحن أمام مشهد مصري جديد ، جوهره أن الناس مع عالم السموات المفتوحة والعوالم الافتراضية ، ومع اتساع قاعدة الشباب في الهرم الديموجرافي المصري ، أصبح لديهم اهتمام متجاوز لشئونهم الخاصة والانخراط في الشأن السياسي العام ، ومن ثم لم يعد المواطن المصري هو ذلك الذي يؤثر السلامة ويمشي جنب الحيط ، ولكنه يريد أن يمشي في قلب نهر الشارع ،ويريد حقوقه في نظام سياسي يختاره هو وفي برلمان حقيقي وفي تعدد حزبي وفي انفتاح سياسي حقيقي لا يحرمه من تكوين جمعياته وإصدارصحفه ، ومن حقه في الرقابة والمحاسبة بل ومن حقه في تداول السلطة وعقاب من استهان به بعدم التصويت له في الانتخابات وإسقاطه والمجئ برئيس جديد وبرلمان جديد . اصح ياحكومة ، وكفاية حرام ، كفاية المتاجرة بالمواطن المصري دون منحه حق المشاركة والرقابة والمواطنة الحقيقية .