رغم أحزاننا العظيمة لما جرى ويجرى بمصر من تحول الخلافات السياسية إلى صراعات وصلت إلى مرحلة الدموية، ومشاعر الترقب والقلق التى تعترينا، ونحن نتوجه إلى صناديق الاستفتاء على الدستور لقول الكلمة التى تمليها علينا ضمائرنا الوطنية سواء بنعم أو لا، قلق من تكرار المشاهد الدموية، ومحاولة فرض رأى بعينه على الصناديق بالقوة، أو بتزوير الإرادة من أى من الأطراف دون أسماء، وبعيدًا عن التماس الأعذار لأحد أو تبرير سلوك العنف الذى نرفضه وسنظل نرفضه، إلا أن قراءة متأنية لما حدث وما يمكن أن يحدث مجددًا من تحول الخلاف السياسى إلى صراع دموى، يعد نتيجة بديهية لما وصل إليه الشعب المصرى من أمية سياسية، ليس هو المسئول عنها، بل المسئول عنها فى المقام الأول الأنظمة السياسية التى حكمتنا خلال العقود الماضية نظام تلو الآخر، فتلك الأنظمة لم تول الشعب المصرى العظيم انتباهًا لتثقيفه سياسيًّا، وتوعية إرادته السياسية، حتى يعرف ما يقول، ويختار ما يريد لا ما يملى على إرادته سواء بالاستقطاب أو التغرير أو تزوير هذه الإرادة. وكان من مصلحة هذه الأنظمة أن يظل غالبية الشعب المصرى " أميّا" سياسيًّا، بإغراقه فى هموم حياته اليومية ولهاثه وراء لقمة العيش، لأنها كانت تعرف أن الوعى السياسى، سييقظ الشعب ويجعله ينتفض لرفض الظلم والقهر والفساد ويطالب بحقوقه كاملة، والأمية السياسية فى وقتنا الحالى هى أخطر من الأمية التعليمية التى يمكن إزالتها بمشروعات التعليم الصغيرة لمحو الأمية، الأمية السياسية أخطر؛ لأننا فى مرحلة التحول الديمقراطى فى مصر، وهى مرحلة تتطلب الوعى والثقافة السياسية بين جميع فئات الشعب دون استثناء، ويجب الاعتراف أن الأنظمة الحكومية السابقة فى مصر ليست وحدها المسئولة عن الأمية السياسية فى مصر، بل أيضًا الأحزاب السياسة قديمها وحديثها إذ يشهد الشارع السياسى الآن زخمًا من الأحزاب تجاوزت ال60 حزبًا كبيرًا وصغيرًا وأحزاب لم يسمع عنها أحد. وهذه الأحزاب جميعها ولا أستثنى أيضًا منها أحدًا، لم تسع إلى تثقيف الشعب المصرى سياسيًّا بالتحول الديمقراطى، بل سعت إلى تلقينه حزبيًّا، أى كل حزب حشد حوله جماعته، وحاول تلقينهم أهداف أو مبادئ هذا الحزب اعتمادًا على الكم لا الكيف، دون النظر إذا ما كان هؤلاء الأشخاص مؤهلين بالفعل للتعاطى مع النهج السياسى بصورة سلمية وسليمة من عدمه، ولديهم من الثقافة السياسية والديمقراطية ما تمكنهم من التعبير عن سياسية الحزب بصورة ديمقراطية حقيقية، تعتمد على احترام الاختلاف، واحترام الرأى والرأى الآخر بصورة حضارية محترمة تدفع مصر إلى الأمام، ولا تشدها إلى الخلف، وتصرف كل حزب وكأن هو الحزب الأوحد والأفضل، وليس بعده حزب أو فكر سياسى آخر، وأنه وحده هو الصواب الذى لا يمكن أن يحتمل الخطأ، والآخرون خطأ تمامًا لا مجال أمامهم للصواب. وهو للأسف أسلوب لا يمكن أن يؤدى إلى نجاح التجربة الديمقراطية الوليدة التى تعيشها مصر الآن، والتى حلمنا بها طويلًا، ويراقبها العالم بين متربص وشامت وبين قلة تتمنى لمصر النجاح، وعليه أرى أن المرحلة الحالية تحتاج من الدولة، الأحزاب، المنظمات الأهلية، الإعلام، جميع مؤسسات الدولة، أن يسعى كل فى مكانة لإيجاد منظومة حقيقية لتوعية وتثقيف الشعب سياسيًا حتى لا تتكرر الأخطاء، فى الدول المتحضرة، ليس بالضرورة أن يكون كل من أبناء الشعب منتمى لحزب سياسى بعينه، بل يوجد أيضًا اللاحزبيون، ولكنهم عند التصويت على أى انتخابات، تجد أن كل منهم لديه خلفية كاملة عن الأحزاب وتوجهاتها، وعندما يدلى بصوته يتحول إلى منتمى لوطنه فقط، ويختار بصورة حرة، لا يؤثر عليه فيها أحد، لأنه وصل بفضل تثقيفه سياسيًا وتوعية إرادته، وصل إلى قناعة شخصية وإرادة حرة منفردة، بأن ما سيفعله هو الصواب. أتمنى أن يمر الاستفتاء على الدستور بخير دون عنف، وأيًا كانت نتيجته علينا التعامل معها من منطلقات وطنية لا شخصية، وأن نضع مصلحة مصر نصب أعيننا لأن مصر عظيمة وجميلة، وتستحق أن نذوب فيها لا أن نذيبها أو نحرقها من أجل أنفسنا.