عبارات وأطروحات تعددت حول العدالة الانتقالية، القصاص، المصالحة الوطنية، مؤتمرات عقدت ولقاءات تعددت ونظمت من خلال الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، وتشكيلات كونت مجلس الحكماء ولجنة أو مجلس المصالحة الوطنية ويجري التفكير الآن في إنشاء هيئة للمصالحة الوطنية. ونادى المنادي بالاطلاع على تجارب الدول الأخرى مثل جنوب إفريقيا وغيرها واستقبلت وفود وأرسلت وفود للاطلاع على الوسائل والسبل التي استخدمت من قبل في هذه المجتمعات لتحقيق المصالحة الوطنية؛ ولكننا في غمرة كل هذا العمل كنا ومازلنا ننسى أصحاب الشأن في المصالحة: أين هم؟ وما رأيهم؟ وكل ما يجري الآن لا تواجد لهم فيه، أليس هذا بأمر عجيب غريب يجعل كل الجهود ضائعة؟! نعم لم نسمع رأي أصحاب الشأن فيما يجري الآن من مقترحات حول المصالحة الوطنية، ولذلك فقد وجب علينا أن نسأل سؤالًا مهمًّا حتى تتضح الأمور ولا نهدر جهودنا وأموالنا لتضيع هباءً: من هم أصحاب الشأن؟! ولذلك فإنني أحدد عدة أطراف لابد من التواصل معها حتى نكون على المسار الصحيح دون اعوجاج أو منحنيات تطيل الطريق أو تعرقله: الطرف الأول: أسر الشهداء الذين تم استشهاد أبنائهم على يد كتائب نظام القذافي وأعوانهم، وكذلك أسر وأقارب من تم الاعتداء عليهم وانتهكت حرمات بيوتهم وعذبوا أو تم التحرش بهم وبنسائهم وأيضًا من تم تعذيبهم أو نتج عن الاعتداء عليهم عاهات مستديمة، وأخيرًا كل من تم نهب أو سرقة رزقه وهدم بيته والعبث بممتلكاته، فكل هؤلاء طرف متضرر يحتاج منا أن نسمع مطالبهم لنحدد الهدف من المصالحة وإلى أي مدى تصل تطلعات هؤلاء، ثم بعد ذلك نتحدث عن المصالحة. والطرف الثاني الذي يجب أن لا يغيب أيضًا هم أسر وعائلات وأقارب الضباط والجنود الذين كانوا يعملون مع كتائب القذافي، وأيضًا أسر الذين توفى أبناؤهم أو أقاربهم خلال المعارك مع الثوار، سواء كانوا جنودًا رسميين أو متطوعين دعموا القذافي وناصروه ونتج عن ذلك موتهم أو هروبهم أو إصابتهم بعاهات مستديمة، وكذلك كل من تعرض بيته منهم لاعتداء أو تلف بأي شكل من الأشكال غير القانونية، أو تم تهجيرهم بالقوة من أماكن ومقار سكناهم وتحولوا إلى نازحين في مناطق أخرى. هؤلاء علينا أيضًا أن نعرف نظرتهم للمصالحة الوطنية ومطالبهم منها. الأمر يحتاج إلى تروٍّ وسعة أفق، وأن لا نعتمد على أشخاص يمثلون هؤلاء حتى وإن كانوا مشايخ قبائلهم أو عناصر من قيادات الثوار أو من ما تعودنا أن نطلق عليهم الحكماء، لأن هؤلاء يجوز أن يجتمعوا مع هذه الفئات ويستمعوا لمطالبهم، ولكنهم لا يمثلونهم. إن الأمر يحتاج إذن إلى الاجتماع بشكل موسع في كل المناطق مع كل هؤلاء، وأن يعلن عن هذه الاجتماعات وتتم صياغة المطالب أمام المجتمعين، مع إمكانية تقسيمهم إلى فئات إذا استدعى الأمر ذلك، وأن تقوم كل فئة باختيار من يمثلها إذا لزم الأمر وجود نقاش مع عدد أقل من العدد الكبير لتلك الفئات. المهم أن نضع برنامجًا نعرضه على هؤلاء جميعًا، سواء كانوا من الطرف الأول أو الطرف الثاني. ويكون البرنامج أو خطة السلم الاجتماعي الليبي مبنية على عدة أسس أهمها: أولاً: لا مجال للتسامح لمن قتل في غير المعارك، ومعروف من قتله إلا بتنازل أهل الدم. ثانيًا: لا مجال للتسامح لمن انتهك أعراض الليبيين إلا بتنازل أو عفو أصحاب الشأن المتضررين. ثالثًا: من استشهد في المعارك الجماعية القتالية أو توفي أو أصيب بعاهة من الطرفين تخضع للتسامح العام وخطة السلم الاجتماعي. رابعًا: من سرق أو اعتدى على المال العام أو الخاص قبل الثورة أو في أثنائها أو بعدها يجب عليه إذا أراد المسامحة أن يعيد ما سرق إلى أصحابه أو إلى الخزانة العامة للدولة. خامسًا: تتكفل الدولة بإعداد لائحة يتم من خلالها تعويض المتضررين أثناء معارك الثورة من الطرفين. سادسًا: لا يسمح بالتهجير العام القسري لأي مجموعة كانت، ويجب التفاهم على إعادة الأبرياء منهم خاصة النساء والأطفال وكبار السن مثل "تاورغاء" وغيرها. سابعًا: تسجيل وتثبيت القضايا وتكليف المحامين برفعها بعد حصرها وتوثيقها. ويجب أن يوضع سقف زمني لتنفيذ هذه الخطة الليبية للسلم الاجتماعي والابتعاد عن مسمى المصالحة؛ لأننا في الواقع كليبيين لحمة واحدة، وما نحتاجه هو تنظيم إرجاع الحق لأصحابه بالطرق القانونية لنعيش جميعًا في سلم اجتماعي وسلام وأمن واستقرار. ويلزم أن توضع آلية لتنفيذ هذا العمل بصورة منظمة ودقيقة ونطلق عليها اسم "الجهاز الوطني للسلم الاجتماعي"، بحيث يكون له أعضاء متطوعون في إدارته العليا ولا تدفع مرتبات إلا للموظفين للإداريين اللذين يقومون بالعمل الإداري عن طريق الندب أو الإعارة باعتبار أن العمل في ذلك الجهاز لا يستمر طويلًا، ومن الممكن أن يتم تحديد مدة خمس سنوات كمقترح لمدة عملها. [email protected]