أصبح سوء الظن السمة الغالبة هذه الأيام, وأصبح اتهام الناس بالباطل أمر طبيعي ومباح, فلم يعد أحد - إلا من رحم ربي - يعطي لنفسه فرصة للتروي والتفكير قبل أن يلقي بالتهم على الآخرين وقبل أن يرميهم بالباطل, نسينا جميعًا أو تناسينا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "التمس لأخيك سبعين عذرًا", وليس العدد هنا مقصود لذاته بل مجرد إشارة للكثرة كما في قوله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: "استغفر لهم أو لا تستغفر لهم, إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم"، فماذا لو استغفر النبي لهم إحدى وسبعين مرة! هل سيغفر الله لهم؟ بالطبع لا بدليل قوله – تعالى -: "فلن يغفر الله لهم", والعدد هنا كناية عن الكثرة, ومفاد ذلك أن يلتمس كل منا لأخيه الأعذار, فلن تنفد الأعذار، ولن تنتهي الحجج. أما أن نرمي الناس بالباطل ونأخذهم بالشبهات وسوء الظن, فهذا ما لايرضاه شرع أو دين سيما ديننا الحنيف, الذي يرفض رفضًا قاطعًا أن نأخذ بالظن "إن بعض الظن إثم", ويحاول أن يدرأ بالشبهة حتى في الحدود التي فرضها الله, حيث يقول - صلى الله عليه وسلم -: "ادرءوا الحدود عن المسلمين بالشبهات", فإذا كانت الحدود تدرأ بالشبهة وبالظن فما بالنا بالأمور الأخرى؟، فهل يجوز بعد ذلك أن يأخذ شخص بالشبهة؟, وهل يعقل أن يصبح الشخص متهمًا بمجرد الظن أو بالأدق سوء الظن؟! لا يستقيم.. رفقًا يا سادة فنحن في هذه الأيام أحوج ما نكون إلى التصالح مع أنفسنا ومع الغير والتماس الأعذار للآخرين, حتى لا نظل في صراع مستمر وحتى نخرج من دائرة سوء الظن التي أصبحت تهدد مجتمعنا بأسره بالانهيار. فلا يمكن لأي مجتمع مهما كان أن يستمر ويبقى فضلًا عن أن ينهض وينمو, وهناك ظلال من الشبهات والشكوك تخيم على أفراده، فهل يستطيع أي فرد في المجتمع أن يؤدي دوره وهو غير مطمئن على نفسه وغير آمن, وتطارده دائمًا روح الاتهام والشك وإحساسه الدائم بعدم الاستقرار.. لا أظن فرفقًا بمصرنا الحبيبة.. ورفقًا بشعبها الطيب.. ورفقاً بأنفسنا, حتى لا نتحمل تبعة سوء الظن ورمى الناس بالباطل أمام رب العالمين، فمصرنا الحبيبة أحوج ما تكون هذه الأيام لنتصالح مع أنفسنا ومع مجتمعنا, ونعود إلى طبيعتنا الطيبة المتسامحة, قبل ألا نستطيع العودة, فنحن بهذه الطريقة نسير فى طريق اللاعودة "سكة اللي يروح ما يرجعش". أفيقوا أيها السادة, وليرحم بعضنا بعضًا, وليصالح كل منا الآخر ونحسن الظن بأنفسنا وبالآخرين حتى تستقيم الحياة, قبل أن ندخل في دائرة مظلمة.. دائرة الشك والغموض.. دائرة لا توجد بها ثوابت يمكن الارتكان إليها على الإطلاق وإنما شك.. وشك.. وشك.. إلى ما لا نهاية. أفيقوا قبل أن نندم.. قبل أن يأتي يوم نترحم فيه على ما فات.. قبل أن نبكي على اللبن المسكوب.. وعندها سنخسر كل شيء.. ويومها لن ينفع الندم..! بقلم د/ مبروك خير الله باحث دكتوراه [email protected]